الارغـن

- الأرغن

الأرغن كما نعرفه آلة موسيقية ضخمة جدا تتصدر المذابح الإلاهية في الكنائس، وهي المعتمد عليها حاليا في

الموسيقى الكنسية. ان عظمة الموسيقى التي تصدر عن آلة الأرغن تضاهي في ضخامتها، وتعدد الحانها ونغماتها

وايقاعتها تلك،  جمال الزخارف والنقوش التي زين بها الشكل الخارجي للآلة.

وصف الأرغن  :

 

 من الخارج

يتالف الأرغن من عدة طبقات ( اثنتين أو ثلاث أو اكثر ) يحتوي كل منها على عدد من الملامس المماثلة لملامس   البيانو، لكن مهمتها تختلف تماما.اذ أن ملامس البيانو توجه المطارق على الأوتار، بينما ملامس الأرغن تساعد

على فتح النوافذ المخصصة لتوجيه الهواء إلى المزامير تحت ضغط معين.

 يعلو تلك الطبقات عدد كبير من المزامير، تختلف بالشكل والنوع والحجم، مرتبة بشكل هندسي رائع. وقد ثبتت إلى

جوانب الأرغن ومن الجهتين لوحات تحتوي على عدد من المفاتيح المخصصة لتحويل مجرى الهواء إلى مزامير

اخرى.  واذا نظرنا الى ما دون الطبقات، نجد الدواسات المخصصة للأرجل والتي تساعد العازف على توافق

النغمات من مقامات مختلفة . يضاف إلى ذلك كله الزخارف الفنية التي زينت اطراف الآلة حتى باتت تحفة فنية

تبهر الأنظار وتحير الأفكار.

 من الداخل

إن الأرغن من الداخل هو اشد تعقيدا من التركيب الخارجي. فهناك المضخات الهوائية والأثقال التي تعلوها لتعيين

نسبة ضغط الهواء  الموجهة للمزامير، كما إن هناك شبكة الأنابيب التي تصل ما بين المضخة وغرفة الهواء’

وكدلك جميع التعقيدات الميكانيكية التي  تسهل عملية الضخ.

 أضف إلى ذلك كله وجود الروافع التي تسهل عملية تحريك الدوسات والملامس حول محورها، وكذلك الصمامات

التي تحدد ضغط  الهواء. هذا وإن صنعة تلك الآلة تتطلب مهارة فائقة ودقة مميزة .


 أما مدى  الأبعاد الموسيقية التي تصدر عن آلة الأرغن فهي تغطي مسافات صوتية متنوعة بالنسبة للمقام والديوان

والنغمة،  إذ إن كل طبقة تحتوي على سبعين ملمساً أي ما يعادل العشرة دواوين (الديوان=الثماني أو الأكتاف).

 والجدير بالذكر هنا ان آلة الأرغن تستطيع أن تؤدي في آن واحد عدة نغمات ضمن عدة قرارات وفي إيقاعات

مختلفة فنسمع بذلك موسيقى رائعة وكانها صادرة عن فرقة موسيقية متعددة  الآلات.

 

لكن تلك الآلة لم تحافظ على ضخامتها إلا في الكنائس . لأن الأرغن الحديث الذي يعتمد على الكهرباء لأداء

الأصوات وعلى الاكترونيات في تركيبه لا يؤدي تلك الموسيقى الضخمة للأرغن ففقدت بذلك موسيقاه رونقها

وجمالها.

 تاريخ الأرغن  :

لم يستطع المؤرخون تحديد اصل تلك الآلة، لكن معظمهم اتفق على رأي واحد وهو ان كتاسيبيوس(Ctesibius )

اليوناني هو اول من طور تلك الآلة ووضع اسسها والقواعد العلمية التي يجب ان تبنى عليها . اما بالنسبة للعصر

الذي عاش فيه كتاسيبيوس فلقد اختلف المؤرخون ايضا في تحديده لكن سارتون  ( Sarton )   في كتابه "تاريخ

العلوم"  يتحدث عن هذا المخترع اليوناني قائل:"هناك مقطع شعري قديم يعزي إلى كتاسيبيوس انه صنع آلة

موسيقية على شكل قرن الخصب ( cornucopia) وقام بتركيبها على تمثال لأرسينوي اقامه لها شقيقها وزوجها

بطليموس الثاني ( فيلادلفوس ) حوالي عام 728 ق.م. فاذا كان هذا صحيحا يكون كتسيبيوس قد اشتهر في القرن


الثالث قبل الميلاد. ويعتقد تانري1 (tannery) ان كتسيبيوس قد عاش ابان حكم بطليموس الثالث2 (247-221 ق م

وسواء عاش في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد فانه كان حلاقا ومهندسا في آن واحد، الأمر الذي ليس بالمستبعد

على غرابته. كان كتسيبيوس صنائعيا محترفا كما كان تشذيب شعر الراس واللحية ضربا من ضروب الحرف

والصنائع. وقد الف كتابا وصف فيه مخترعاته وتجاربه، إلا انه فقد، وما لدينا من معلومات عنه مستقاة في أساسها

من فيتروفيس(Vitruvius ) في النصف الثاني من القرن الاول قبل الميلاد، وبشكل ثانوي من فيلون البيزنطي

(Philon de Byzance) في النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد ، ومن بليني (Bellini) في النصف

الثاني من القرن الأول قبل الميلاد ، وهيرون (Heron) في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي ، و( اثانيوس

النقراطي ) في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي   و( بروكلس ) في النصف الثاني من القرن الخامس .

وقد اخترع كتاسيبيوس مضخة ضاغطة وارغنا مائيا وساعات مائية. وعندما نقول انه اخترع مضخة ضاغطة فانما

نعني انه ادرك الحاجة إلى الأجزاء الرئيسية الثلاثة التي تتطلبها وهي:  الاسطوانة والكباس والصمام .

اما الأرغن المائي الذي سماه هيدروليس (Hydraulis ) فكان عبارة عن تطبيق مبدأ المضخات على الموسيقى،

بمعنى ان الهواء اللازم للآلات الموسيقية الهوائية كان يدفع بواسطة الآلة بدلا من رئتي العازف. ويمكن تخيل

طبيعة اختراع كتاسيبيوس هذا من وصف غير كامل له اورده فيتروفيس، وكذلك في نماذج قديمة صنعت من الفخار

المحروق. ويتبين من هذه ان الجهاز كان يتشكل من حجرة يستعمل الماء فيها لضغط الهواء ودفعه عبر انابيب

الأنغام المختلفة، الامر الذي يستدعي وجود مجموعة من المفاتيح ( الملامس ) الموسيقية. والأجزاء الرئيسية لهذا

الأرغن هي المضخة وحجرة الهواء وانابيب الأنغام والملامس.

هذا وتشير المراجع إلى وجود نوعين من الآلة الموسيقية الأرغن وهما :

- الأرغن المائي .

ان اول نوع ارغن عند اليونان هو الأرغن المائي، حيث ان الآثار القديمة من نقوش وتحف فنية تدلنا على وجوده.

ففي متحف قرطاجة يوجد نموذج لهذا الأرغن، وقد اعلن الخبراء انه يعود الى القرن الأول الميلادي . لقد صنع هذا

النموذج من الطين ( Terre Cuite ) ، فهو عبارة عن تمثال يمثل عازف الأرغن واقفا امام منصة ( ان اعلى

الجسم ينقص ) ولكن يظهر إلى اليمين الثقب الذي كان موضع اليد ، كما تظهر في أعلى النموذج أنابيب

الهواء(مزامير الموسيقى) وعددها ثمانية عشرة ، نسبة لعدد الملامس التي تظهر بوضوح على المنصة امام التمثال

واذا ما نظرنا إلى النموذج من الخلف نجد إلى كل جنب من التمثال برميلا مخصصا للماء . اما في الأعلى فهناك

الغرفة التي تحدد ضغط الهواء قبل وصوله إلى الأنابيب،  كما يلاحظ وجود ثقوب لتسهيل مرور المساطر التي

تحرك المكابس الموجودة داخل براميل المياه.

                                النموذج الأول                                  النموذج الثاني                             النموذج الأخير

أما النموذج الآخر لهذا النوع من الأرغن فلقد وجد في عام 1858 م  ضمن أثار قصر روماني شيد تحت حكم

ادريان على ضفاف الموزيل(Moselle ) في قرية تدعى نيننغ(Nenning )  قرب تريف(Trève) وهذا

النموذج حفر على أيقونة تمثل عازف الأرغن خلف الآلة وإلى جانبه عازف آخر يرافقه. أما الرسم الأخير فأنه

لأرغن مائي وجد في بومباي.

 

ملاحظة: في عام 1999 أعيد تركيب ارغن كتاسيبوس بعد محاولات عدة بدأت في عام 1994 وذلك بعد أن عثر،

في عام 1992 ، عالم الآثاراليوناني  البروفسور ديمتريوس بنترمالس

 (Professeur Dimitrios Pantermalis ) من جامعة

  (Thessaloniki ) وذلك خلال التنقيب في مدينة (Dion)

على القسم الأعلى من ارغن مائي يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد.

وقد ظهر في هذا القسم مجموعة من الأنابيب صنعت من معدن البرونز

كما وجد إلى جانبه قطعة معدنية مسطحة ومزخرفة من نفس المعدن.

 في عام 1995 تبنى مشروع اعادة تركيب هذاالأرغن  المركز الثقافي

الأوروبي في دلفي

 (The European Cultural Centre of Delphi ) او (E.C.C.D)

مع دعم من وزارة الثقافة وبعد محاولات عدة تمت اعادة تركيب

الأرغن في شهر أيار (مايو) من عام 1999.

 وهنا لا بد لنا من الاشارة إلى ان وظيفة الماء في الأرغن المائي بقيت

موضع جدل مهم حتى وقت متأخر، اذ ان البعض ظن ان الماء يجب ان

يوضع داخل انابيب كما فكر آخرون بوضع الماء الساخن في تلك

الانابيب وذلك لتغيير النغمات الموسيقية . ومن المستغرب ان المؤرخ فتيس ( Fetis ) في منتصف القرن التاسع

عشر الميلادي كان يتسائل لماذا سمي هذا الأرغن بالمائي رغم ان الماء المستعمل فيه لا وظيفة له.

واخيرا في عام 1875 م ناقش الأب الموسيقار كليمان لوري Clement Loret ) 3 )المخطوطة

التي ورد بها وصف الأرغن المائي، وبعد دراسة علمية وتحقيق منطقي استطاع ان يحدد مهمة الماء

في الأرغن بالشكل التالي  :  " ان وظيفة الماء في الأرغن المائي هي نفس الوظيفة التي تقوم بها

الأثقال الموجودة في الأرغن الحديث،  أو  بمعنى آخر ، ان الماء يحدد ضغط الهواء الذي يدخل في

المزامير . ومنذ ذلك العهد لم يعد السؤال حول وظيفة الماء يُطرح واعطي بذلك التعريف الصحيح

للأرغن المائي .

- الأرغن الهوائي

ان الآثار اظهرت وجود نوع آخر من الأرغن وهو الأرغن الهوائي، ومما لاريب فيه ان الأرغن المائي سبق الأرغن الهوائي. ومن المعروف ان الأرغن الهوائي هو نفس الأرغن المائي مع فارق بسيط، وهو ان الهواء المحصور في المضخات الهوائية يبعث إلى المزامير بواسطة المنافخ ( التي يستعملها الحدادون ) ، اما في الأرغن المائي فانه يستعاض عن هذه المنافخ بضغط الماء الذي يقوم بالوظيفة نفسها.

   

لكي يتضح لنا الفرق بين الاثنين نعرض بعض النماذج للأرغن الهوائي:  ان اول نموذج للأرغن

الهوائي هو الشكل الذي وجد على مسلة في القسطنطينية 4 ، ويعود تاريخه الى القرن الرابع الميلادي .

 اما النموذج الآخر فيحتفظ به في متحف ارلس (Arles ) على شكل ايقونة 5، حيث يظهر شكل

الأرغن بمزاميره وصورة شخصين يحركان منافخ الهواء .

          

 والنموذج الثالث موجود في قصر الباني ( Albani) في روما وهو يمثل أرغنا هوائيا تعزف عليه

امراة، بينما الرجل يحرك المنافخ لضغط الهواء إلى الانابيب .

 

1- Saton, George- Introduction to the History of  Science- 3 vol, Baltimore 1927-48

2 –Tannery Paul – L'invention de l'Hydraulis- Revue des études grecques tome 21 Paris 1908

3 – Loret Clément – Cours d'Orgue – Gazette musicale tome 3 –Paris 1908

4- Encyclopédie de la musique et dictionnaire du conservatoire – Orgue Hydraulique – Lavignac

5- Grove's dictionairy of music and musician – Matière d'orgue

الجلجل