علم السكون
كلمة سكون بمعناها المجرد تعني انعدام الحركة وهذا العلم يدرس وضع الأجسام الجاسمة في حالة توازن القوى
أو في حالة السكون
كيف نظر العلماء العرب إلى هذا العلم؟
يقول اخوان الصفا في تفسيرهم للقوى المؤثرة على الأجسام الثابتة وذلك في رسالتهم الرابعة والعشرين ما يلي:
"اما الثقل والخفة في بعض الأجسام، فهو من أجل أن الأجسام الكليات كل واحد له موضع مخصوص، ويكون
واقفا فيه لا يخرج عنه إلا بقسر قاسر، وإذا خلى رجع إلى مكانه الخاص به، فإن منعه مانع وقع التنازع
بينهما".
اما الشيخ الرئيس ابن سينا فيقول بكتابه "النجاة" ما يلي: "ليس شئ من الأجسام الموجودة يتحرك أو يسكن
بنفسه أو يتشكل أو يفعل غير ذلك، وليس ذلك له عن جسم آخر أو قوة فائضة عن جسم، فليس يصدر عنه شيء
إلا وفيه قوة من هذه القوى المذكورة، عنها يصدر ذلك، وكل ما يصدر عنه من الأفعال ، وهذه القوى التي
غرزت في الأجسام على أقسام ثلاثة : فمنها قوى سارية في الأجسام تحفظ عليها كمالاتها من أشكالها
ومواضعها الطبيعية وأفاعيلها، وإذا زالت عن مواضعها الطبيعية وأشكالها وأحوالها أعادتها إليها وثبتتها عليها."
وفي طبيعيات كتابه"الشفاء" يقول ابن سينا:" كل جسم له مكان طبيعي أو حيز تقتضي طبيعته الكون فيه، وهو
يخالف الأجسام لا لجسميته، بل لأن فيه مبدأ وقوة معدة نحو ذلك المكان."
هذا وبصورة عامة لقد برهنت الدراسات الحديثة في هذا المجال إن العرب اعتمدوا ثلاث فروع في علم
السكون :
- علم السكون النظري والذي يعد امتدادا لاتجاه أرخميدس وطبقا لمبادئ أريسطو .
- علم السكون المائي وعلم الأوزان النوعية والجانب العملي لهذا العلم النظري هو (الموازين وأساليب الوزن
النوعي للمعادن والسوائل)
- علم الحيل وبناء الآلات البسيطة والحربية وإنشاءات الري.
علم الحركة أو علم الحركيات(La cinématique )
يهتم هذا العلم بدراسة حركة الأجسام دون النظر لمسببات الحركة.
ما هو مفهوم الحركة عند العرب؟
شرح العلماء والفلاسفة العرب بالتفصيل مفهومهم للحركة كما عنوا بشرح عناصرها وارتباطها بالزمان.
وقسموا الحركة إلى أربعة أقسام :- الحركة الوضعية والحركة الانتقالية وكذلك الحركة الطبيعية والحركة
القسرية.
1- الحركة الانتقالية والحركة الوضعية.
يقول الشيخ الرئيس ابن سينا في " الرسالة الأولى في الطبيعيات من عيون الحكمة" :
" الحركة التي من أين إلى أين تسمى نقلية"
" الحركة التي من وضع إلى وضع تسمى وضعية"
ويقول هبة الله ابن ملكا البغدادي في كتابه "المعتبر في الحكمة" : "
وأهم أعراض الجسم الطبيعي وأحسها به من حيث هو جسم هي الحركة، وهذا هو موضع الكلام فيها.
الحركة تقال على وجوه، فمنها الحركة المكانية، وهي التي بها ينتقل المتحرك من مكان إلى مكان. ومنها
الوضعية وهي التي تتبدل بها أوضاع المتحرك، وتنتقل أجزاؤه في أجزاء مكانه، ولا يخرجه عن جملة مكانه،
كالدولاب والرحا..."
2 - الحركة الطبيعية والحركة القسرية.
يفول الشيخ الرئيس ابن سينا في " الرسالة الأولى في الطبيعيات من عيون الحكمة" : " وكل جسم متحرك
فحركته اما من سبب من خارج، وتسمى حركة قسرية، إما من سبب في نفس الجسم، إذ الجسم لا يتحرك بذاته،
وذلك السبب إن كان محركا على جهة واحدة على سبيل التسخير، فيسمى طبيعة، وإن كان محركا حركات شتى
بإرادة أو غيرإرادة، أو محركا حركة واحدة بإرادة فيسمى نفسا".
ويقول هبة الله لبن ملكا في كتابه " المعتبر في الحكمة" : "..فإن الحركة إما طبيعية وإما قسرية، والقسرية
يتقدمها الطبيعية، لأن المقسور إنما هو مقسور عن طبعه، إلى طبع قاسره، فإذا لم يكن حرَّكه بالطبع لم يكن
حرَّكهُ بالقسر،..."
ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه " المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات": " ... وإن كانت
الحركة حاصلة فيه، فإما أن يكون سبب شيئا موجودا في الجسم، أو يكون سبب تلك الحركة خارجا عن ذات
المحرَك، والقسم الأول هوالحركة الطبيعية، والقسم الثاني هو الحركة القسرية".
وهنا لا بد من الوقوف على رأي العلماء والفلاسفة العرب في التساقط الحر للأجسام .
- تساقط الأجسام على أقصر طريق:
يقول هبة الله ابن ملكا البغدادي في كتابه "المعتبر في الحكمة" : "فكل حركة طبيعية فعلى استقامة " وفي موضع
آخر يؤكد معنى استعادة الجسم لموضعه الطبيعي من أقرب طريق فيقول في نفس المخطوط: " ولا يجوز ان
طبيعة واحدة تحرك الحركتين المقابلتين بالطبع، فإنما منه في الحركة الطبيعية مهروب منه بالطبع، وما إليه فيها
مطلوب بالطبع... وإن المتروك بالطبع يحرك الطبع عن أحدهما إلى الآخر في أقصر مسافة فهي الاستقامة."
ويقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه المباحث المشرقية : "... الطلب الطبيعي للكمال الفائت لا بد وأن يكون
على أقرب الطرق، وإلا لكانت الطبيعة صارفة عن ذلك الكمال ، فتكون متوجهة إلى شيء ومنصرفة عنه،
وذلك محال، وأقرب الطرق هو المستقيم، فإذاً كل حركة طبيعية فهي مستقيمة..."
- ازدياد السرعة وكمية الحركة:
يقول ابو البركات : "... ويستدل على ذلك بالحجر المرمي من عال من غير أن يكون عايدا عن صعود بحركة
قسرية ولا فيه ميل قسري، فإنك ترى أن مبدأ الغاية كلما كان أبعد كان أخر حركته أسرع،وقوة ميله أشد
وبذلك يشح ويسحق، ولا يكون ذلك له إذا ألقي من مسافة أقصر، بل يبين التفاوت في ذلك بقدر طول المسافة
التي يسلكها..."
-عدم اعتماد سرعة سقوط الجسم على كتلته:
يقول هبة الله : "وأيضا لو تحركت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف، والكبير والصغير،
والمخروط المتحرك على رأسه الحاد،والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة في السرعة، والبطء، لأنها إنما
تختلف بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخروق كالماء والهواء وغيره..."
علم التحريك (La dynamique )
يختص علم التحريك بدراسة حركة الأجسام من جراء القوى المؤثرة عليها.
يقوم علم التحريك على قوانين ثلاثة نسبة إلى اسحق نيوتن وهي:
القانون الأول للحركة
ينص هذا القانون على ما يلي: أن الجسم يبقى في حالة سكون أو في حالة حركة منتظمة في خط مستقيم ما لم
تجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحالة
وقد شرحنا ما توصل إليه العلماء والفلاسفة العرب في هذا المجال عندما عالجنا موضوع علم السكون
القانون الثاني للحركة
ينص هذا القانون على ما يلي: إن القوة اللازمة للحركة تتناسب مع كل من كتلة الجسم المتحرك وتسارعه.
لقد قام هذا القانون على دراسة التساقط الحر ولقد تحدثنا عن مساهمة العرب في هذا المحال في علم الحركيات.
- القانون الثالث للحركة
ينص هذا القانون على ما يلي : إن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.
في هذا الصدد يقول ابو البركات ما يلي: "إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين في
جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر، وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة جذب الآخر، بل تلك
القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر على كل ذلك الجذب."
يقول الإمام فخر الدين الرازي : "الحلقة التي يجذبها جاذبان متساويان حتى وقفت في الوسط، لا شك أن كل
واحد منهما فعل فيها فعلا معوقا بفعل الآخر، وليس ذلك هو نفس المدافعة، فإنها غير موجودة أصلا وليس أيضا
قوة الجاذب الأخر، لأنه إن لم يفعل في المجذوب فعلا لما صار مجرد قوته عائقا لأن يفعل فيه غيره فعلا"
خلاصة القول لقد عالج علماء العرب والإسلام القوانين الثلاثة واستطاعوا شرح القانون الأول والقانون الثالث
دون اللجؤ إلى المعادلات الرياضية كما اجتهدوا في شرح القانون الثاني الذي اعتمد على التساقط الحر للأجسام.
وذلك قبل علماء الغرب.