الدمى المتحركة قبل الميلاد

لقد طرأت تغييرات مهمة لجهة الشكل وطريقة العمل على الدمى المتحركة بين العهود القديمة وعهد ما قبل

الميلاد، وتحديدا في القرنين الثالث والثاني، حيث تحولت الدمى المتحركة من أصنام تعبد، تصنع من الخشب او

الطين، وتحرك بواسطة الانسان أو الخيطان، الى رموز للتسلية أو لتجسيد الحياة العملية في المجتمع. اعتمدت

المعادن في صناعتها وتركزت حركتها على ثقل الماء، و قوة ضغط الهواء أو وزن الاثقال، وذلك تطبيقا للنظريات

العلمية المعتمدة في علم الطبيعة والرياضيات وغيرها من العلوم التي انتشرت في هذا العهد، عهد مدرسة

الإسكندرية التي ضمت نخبة من علماء اليونان أمثال كستبيوس، فيلون البيزنطي وهيرون الإسكندري وغيرهم.

 

   لقد  اهتمت الحضارة البيزنطية بالدمى المتحركة حيث كان حضورها في مجالسهم  وسيلة للتظاهر بالعظمة والتفاخر. وهناك وصف لأحد مجالس الأباطرة البيزنطيين1 جاء فيه :

"انه في أواخرالدولة البيزنطية كان الأباطرة شغوفين بالتماثيل المتحركة ولذلك كان المهندسون يقضون أوقاتهم في

تلك الفترة بالتفنن في صنع أنواع مبتكرة من التماثيل المتحركة،على سبيل المثال نذكر شجرة من الذهب الخالص

وُضعت قرب عرش أحد الأباطرة ، وثُبت على أغصانها طيور آلية ذات ألوان بديعة، فمتى تحركت الأغصان

غردت الطيور". 

كما يفيد المرجع بأن امبراطور بيزنطي أقام أسدين آليين من النحاس ثبتا بجوارعرشه وعند الضغط على

زر أو لولب خاص يزأر كل منهما ويضرب الأرض يذنبه.

 هذا ولقد برز قبل الميلاد مجموعة من علماء اليونان الذين اهتموا بالدمى المتحركة وابتدعوا تقنياتها. سوف

نستعرض بعضا منها وفقا للتسلسل الزمني وذلك بهدف مقارنة تقنياتها مع التقنيات المعتمدة من قبل العلماء العرب

في صناعة الدمى المتحركة.

1- كستبيوس والدمى المتحركة                                     

يعتبر كستابيوس أول عالم يوناني تطرق للبحث في الساعات المائية و يعزى إليه اكتشاف الأرغن المائي بالإضافة

إلى ابتكارات أخرى.

لم يعتن كستبيوس بصورة خاصة بالدمى المتحركة لكن في وصفه لساعة مائية نجد تمثال صبي يتحرك عاموديا

حاملا بيدة عصا صغيرة يشير بها الى تتابع ساعات النهار ساعة ساعة (الرسم أعلاه)

يظهر في الرسم مقطعين:المقطع (أ أ) يعبر عن المظهرالخارجي للساعة ،أما المقطع (ب ب) فيوضح الأجزاء

 الداخلية للساعة. يلاحظ بان تمثال الصبي الذي يحمل بيده قضيب ليشير به إلى عدد الساعات المنصرمة،

يقف فوق عوامة. بإرتفاع تلك العوامة يرتفع الصبي رويدا رويدا حتى آخر النهار. أما القضيب فيرتكزطرفه على

اسطوانة طويلة رُسم عليها خطوط افقية وأخرى عمودية وفقا لعدد ساعات النهار(24 ساعة) وذلك لمدة عام كامل

كيف تعمل ساعة كستابيوس 

يرتكز عمل تلك الساعة على حركتين أساسيتين وهما:

- دوران الاسطوانة العامودية المخططة افقيا وعموديا وفقا لعام كامل 

- ارتفاع العوامة التي تحمل الصبي الذي يشير إلى الوقت المنصرم وذلك بواسطة القضيب الذي يحمله بيده اليمنى. 

نلاحظ في الرسم (ب ب ) ان الماء ينصب من خزان كبير (غير ظاهر في الرسم)مباشرة في الفتحة (أ) المخصصة

لذلك ومن هنا يتسرب  عبر ثقب إلى خزان الساعة الأساسي الذي يحتوي على مقلب (لا ج ق) وكذلك إلى الحوض

المتصل به والذي يحتوي على العوامة التي تحمل الصبي،وذلك عبر انبوب (ص ج) الأفقي. 

عندما يصل مستوى الماء في خزان الساعة إلى نقطة (ج) يبدأ عمل المقلب فينصب الماء مباشرة على الدولاب

المائي (ك) الذي يبدأ بالدوران  وينقل الحركة إلى الدولاب الأفقي (م) بواسطة النرماذجة (ن).بدوران هذا الأخير 

تدور النرماذجة (ل) المثبته على محوره ومن ثم الدولاب (ط) المثبت على محور الاسطوانة لتدورهذه الأخيرة

نصف دورة. 

من جهة أخىرى وخلال تلك الفترة ترتفع العوامة رويدا رويدا بفعل كمية الماء المتسربة إلى الحوض الذي يحتويها.

وهكذا تعاد الكرة خلال عام كامل .

   2 - فيلون البيزنطي والدمى المتحركة

 عاش فيلون البزنطي في اواخر القرن الثاني قبل الميلاد واشتهر في حقل الميكانيكا التطبيقية. من أهم مؤلفاته في

هذا المجال كتاب ترجم إلى الفرنسية 2تحت عنوان:(Les pneumatiques de Philon de Byzance)  

حيث نجد فيه قسم يتعلق بالنظريات الفيزيائية، نذكر منها نظرية تحليل طبيعة الهواء وأخرى تبحث في امتزاج

الهواء مع الماء مع شرح لبعض التقنيات المعتمدة في عصره كالعوامة والسيفون والعتلة وغيرها. ومن تطبيقاته

العملية نجد وصف طست لغسل اليدين، وعاء يمتلئ بسوائل مختلفة دون أن تمتزج، فوارة ماء وقناديل تحافظ على

كمية الزيت فيها وغير ذلك من آلآلات الروحانية.

كما نجد مجموعة من الآنية تصدر أصواتا موسيقية وأخرى تحمل عصافيرتزقزق وتحرك أجنحتها. نستعرض فيما

يلي وصفا لبعض الآنية التي وصفها في حقل الدمى المتحركة.

 تمثال تنين يشرب من الساقية بغفلة من الحارس

-6

 يقول فيلون ما معناه بأن الوعاء يجب أن يكون بالقرب من

ساقية أو مجرى ماء لكي نستطيع تأمين الكمية اللازمة

من المياه للعمل. في الصورة يظهر تمثال حيوان كالتنين

يقف أمامه تمثال رجل يحمل بيد عصا وهو الحارس

لمجرى الماء .

 طريقة العمل

 عندما يواجه الحارس التنين يمتنع هذا الأخير عن الشراب

وما أن يدير الحارث ظهره حتى يبدأ التنين يشرب الماء

باعثا صوت زمجرة قوية وكأنه يريد الأنتقام من الحارس. كل ذلك يحصل بواسطة تقنيات بسيطة تعتمد على

نظريات سهلة في حقل الفيزياء التطبيقية.واهمها القوة الصادرة عن دفع الماء المتدفق من الساقية.

صورة خادمة تصب النبيذ والماء للمخدوم

هي عبارة عن تمثال خادمة تحمل بيدها اليمنى إبريق أو جرة صغيرة منحنية ،

وفي يدها اليسرى المنطوية عند الكوع تحمل صاع صغير.

في داخل التمثال تم تركيب خزان معدني  قُسم عامودياً إلى نصفين بواسطة لوحة

معدنية. قسم خصص للماء وآخرللنبيذ. في كل قسم تم تثبيت خرطوم للسائل

يتصل مباشرة في الإبريق وخرطوم للهواء يتدلى في بطن التمثال. مع الملاحظ

بأن خرطوم الماء يجب أن يلف عدة دورات حول الخزان قبل أن يصل إلى

الإبريق.

من جهة أخرى لقد صمم داخل التمثال تقنية تتعلق باليد اليسرى وهي عبارة عن

قضيبين صغيرين مهمتهما تسكير فوهة خرطوم الهواء ليمنع تسرب السائل إلى

الإبريق.

مع الملاحطة بأن اليد اليمنى والإبريق ثابتين في مكانهما دون أية حركة

طريقة العمل

نضع في صاع اليد اليسرى ثقل صغير بحيث تنحني اليد إلى اسفل عند ذلك يتحرك أحد القضيبين لفتح خرطوم

الهواء المتصل بخزان النبيذ فينصب النيذ من الخزان إلى الإبريق ومن ثم إلى القدح الذي نضعه تحت فوهته. ثم ما

يلبث ان ينصب الماء بعد فترة لأن طريقه أطول بفعل التفاف خرطوم الماء حول الخزان . عند الحصول على

الكمية المطلوبة من السوائل نرفع الثقل من اليد اليسرى فتعود إلى حالها الأول وتعاد الكرة.

 طست للوضؤ تخرج من وسطه فتاة مستعدة لخدمة المخدوم

appare32

 هو عبارة عن طست مسطح يتم تثبيته فوق خزان كبير يتسع لكمية كبيرة من

الماء بحيث يمكن لشخصين أو أكثر لاستكمال غسل ايديهم .نضع في وسط هذا

الخزان تمثال فتاة تقف فوق عوامة ثم نثبت في الخزان وفوق رأس الفتاة

زر ناتى يتصل بحلقة ثبتة بطرف ثوب الفتاة من الأسفل. يحيط بهذا الزر

شبكة معدنية او غربال . وقد تم ثقب هذا الخزان من اسفله بثقبين صغيرين.

 نضع هذا الخزان ضمن خزان اكبر حجماً وقد تم تلحيم بيثون في قاعدته .

طريقة العمل

عندما نصب الماء فوق الغربال يتساقط بسرعة في الخزان الأول فتبدأ العوامة

بالإرتفاع وتظهر الفتاة . في نفس الوقت يتسرب الماء من الثقوب الصغيرة إلى

الخزان الثاني الذي يتصل بالبيثون .

عندما نستعمل الماء ونقف عن الصب ينخفض مستوى الماء في الخزان الأول فتهبط العوامة وتختفي الفتاة.

________________________________________

1 - Mazaheri, Ali. La vie quotidienne des musulmans au moyen âge - Paris  Hachette 1951

2 - Carra De Vaux - Le livre des appareils pneumatiques et des machines hydrauliques  de Philon de Byzancd

Notice et extrait de la B.N - tome 38 paris 1903.

 

 هيرون الاسكندري والدمى المتحركة