فهرس المقال

الدمى المتحركة في الأدب العربي القديم

 تطالعنا كتب الأدب العربي القديم  بأوصاف لدمى متحركة  أقرب إلى الواقع من الخيال ومن الممكن أن تكون قد

نفذت في الواقع المنظور ولكن لم ترد أية معلومة عن التقنيات المعتمدة لتحريكها.  

  في كتاب أحمد تيمور "التصوير عند العرب"  ورد ما يلي : قال الخطيب البغدادي في تاريخ تأسيس بغداد: " ان

المنصوربنى مدينة مدورة، وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان، وكان علوها 80

ذراعا، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح، وذلك الرمح يدور مع الريح. وكانت هذه القبة وهذا

الصنم  يسمى تاج البلد، وعلم بغداد، وأعظم مأثرة من مآثر بني العباس".

  "وكان للأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي مجلس يجلس فيه للشرب ، فيه صورة ثماني جوار

متقابلات ...أربع منهن بيض من كافور، وأربع من عنبر، قيام في المجلس ، عليهن أفخر الثياب وأثمن الحلى،

بأيديهن أحسن الجواهر فاذا دخل من باب المجلس ووطئ العتبة نكسن رؤوسهن خدمة له، فاذا جلس في صدر

المجلس استوين قائمات"

 وقال ياقوت  في وصف دار الشجرة . " وهي دار بالدار المعظمة الخليفية ببغداد ومن أبنية المقتدر بالله ... كانت

دارفسيحة ذات بساتين مؤنقة ، وانما سميت بذلك  لشجرة كانت هناك من الذهب والفضة بها ثمانية عشرة غصنا،

لكل غصن منها فروع  مكللة بانواع الجواهر على شكل الثمار، وعلى أغصانها أنواع الطيور من الذهب والفضة ،

إذا مر الهواء عليها أبانت عجائب من أنواع الصفير والهدير ... وفي جانب الدار عن يسار البركة تمثال خمسة

عشرة فارسا على خمسة عشر فرسا، ومثله عن  يمين البركة، وقد ألبسوا أنواع الحرير المدبج، متقلدين بالسيوف،

يتحركون على خط واحد، فيظن أن كل واحد منهم الى صاحبه قاصد".

 هذا وقد حفلت المراجع العربية   بوصف البساتين وما تحتويه من أشجار متنوعة كسيت جذوعها بالنحاس المذهب

ووقف على أغصانها من أغرب الطيور خلقا. ولا ننسى كل ما ورد في تلك المراجع من الدمى المتحركة التي

ظهرت بالساعات المائية التي اشتهر بها العرب ولا  مجال لذكرها هنا بل نتركها لعمل آخر  يبحث في الساعات

العربية .

 فإذا تركنا المشرق وتماثيله وقصوره  واتجهنا الى الأندلس موطن الحضارة العربية ومهد الفن والعبقرية ، وجدنا

بأن أهل الأندلس كانوا أشد اهتماما وأكثر مغالاة في قصورهم وحدائقهم من أهل المشرق وحسبنا ما أقامه الناصر

من تماثيل الرخام وغيرها في الزهراء وما أقيم من حدائق وتماثيل في حمراء غرناطة الباقية الى اليوم تعارك

الدهر.

  وقال المقري  في كلامه على قصور  الزهراء "أن احمد اليوناني جلب لعبد الرحمن الناصر من الشام ، وقيل من

القسطنطينية، حوضا صغيرا أخضر منقوشا بتماثيل الإنسان، لا تقدر له قيمة لفرط غرابته وجماله .

 وقال السخاوي في حوادث سنة  854 م من (التبر المسبوك) :" وحضر في رجب من الاسكندرية الرماة ومعهم

صنعة قلعة من خشب، فقدموها الى السلطان، ورما  عليها بحضرته بقوس الرجل، فخرج منها صورة شخص

بسيف وترس ، فرمى عليه عبدا صغيرا، فضرب رقبته بسهم. فأمر السلطان بأن يخلع  عليهم ، ورسم لهم بجامكية

وأن يعودوا إلى بلدهم.

 


 

  وحكى أبن أياس  أن ملوك اليمن أهدت إلى الملك الكامل محمد شمعدانا من نحاس ، يخرج منه عند طلوع الفجر

شخص من نحاس لطيف الخلقة يخاطب الملك قائلا: "صبحك الله بالخير، قد طلع الفجر ، أو صفيرا هذا معناه

وكان هذاالشمعدان من صنعة الميقاتية، فأقام في حواصل الملوك إلى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم فقد ".

 ولم نقف في أي مرجع من المراجع على أن القدماء استطاعوا حفظ الصوت وترجيعه. فما نسب إلى هذا التمثال

من النطق ليس إلا من المبالغات التي تحيط بكل خبر غريب.

 وقد حاول العلامة القرافي صنع تمثال ناطق تحقيقا لهذا الزعم فلم يستطع، واعترف بعجزه، على ما حكاه ابن

طولون الحنفي الصالحي في رسالته (قطرات الدمع، فيما  ورد في الشمع) ونص عبارته  "وعن الشيخ شهاب

الدين أحمد بن أدريس القرافي المالكي قال في (شرح المحصول) بلغني أن الملك الكامل وضع له شمعدان كلما

مضى  الدين من الليل ساعة انفتح باب منه وخرج شخص يقف في خدمة الملك، فاذا انقضت عشر ساعات طلع

الشخص على أعلى الشمعدان وقال: صبح الله السلطان بالسعادة ، فيعلم أن الفجر قد طلع.. قال : وعملت أنا هذا

الشمعدان، وزدت فيه واصبعه في أذنه يشير إلى الأذان ، غير اني عجزت عن صنعة الكلام." 

  نلاحظ مما تقدم بأن الدمى المتحركة ظهرت بصورة مكثفة في بلاط الملوك والأمراء والسلاطين لكن المؤرخون

والرواة لم يهتموا مطلقا  بالانجازات التقنية لشرحها وتفسيرها اللهم إلا ما ورد عن قوة ثقل الماء لتحريك بعض

الدمى . لكن العلماء العرب وخاصة التقنيين منهم تركوا لنا ارثا ثمينا يبحث في هذا المضمار.

تجدر الإشارة إلى وجود مخطوطات عربية تصف أنواعا من الحيل والألاعيب التي تصنع من أجل التسلية نذكر

منها مخطوط " الباهر في عجائب الحيل " لأبي عامر أحمد  الأندلسي حيث يقول في وصف احدى حيله:"تعمل

مثقالين من شمع للعبتين أو ضفدعتين أو سرطانين ويكونان أجوفين وتحشو أحدهما ملحا مسحوقا والآخر طحلبا،

وهو الذي يكون في أسفل السفن أخضر كأنه صوف، تأخذه وتجففه، فاذا أردت حشوت به التمثال الآخر، وتدعو

باناء فيه ماء، فتأخذ صاحب الملح فتوهم انك تتكلم عليه، وترمي به وتقول: انزل إلى قرار الماء ، فينزل ، وتأخذ 

صاحب الطحلب وترمي به وتقول: قف أيها الفوقاني وانزل أيها السفلاني فان السفلاني يدخل الماء إلى الملح الذي

 في جوفه من فيه وسرته، لانها تكون نوافذ إلى بطنه، فيخرج الماء الملح ، فيخف ، فيصعد قليلا قليلا حتى يصير

على رأس الماء...وأما الفوقاني فيدخل الماء إلى الطحلب  فيبله، فيثقل، فينزل قليلاً قليلاً ختى يصير أسفل وهو

ظريف"

  على هذا المنوال يصف الأندلسي مجموعة من الحيل تصلح لاعمال السحر والشعوذة رغم ان طريقة عملها لا

تخلو من الاعتماد على مبادئ علمية.

   لم تقتصر الدراسات العربية على هذا النوع من الدمى المتحركة بل تعدت تلك الأوصاف العامة إلى أوصاف 

 تتسم بالدقة المتناهية و بالتقنية العلمية.

من أهم العلماء العرب الذين عملوا بهذا الحقل بنو موسى بن شاكر (القرن الثالث الهجري )، بديع الزمان ابن

الرزاز الجزري (القرن السابع الهجري ) وتقي الدين بن معروف   الدمشقي ( القرن السادس عشر للهجرة)