الفارابي وآلة القانون

تردد بعض المراجع العربية والأجنبية القديمة منها والحديثة ، رواية تاريخية عن القرن الثالث عشر ميلادي تنسب

اختراع القانون إلى الفارابي (المتوفي عام 950م) وذلك باعتمادهم على الوصف الذي ورد في كتابه "كتاب

الموسيقى الكبير " لآلة قديمة قريبة الشبه من القانون.

 في موسوعتة  الموسيقية "كتاب الموسيقى الكبير" 1 يصف الفارابي تلك الآلة قائلاً:

" وصُنعة هذه الآلة ،أن يُعمل (سرير) ذو أربعة أضلاع مسطحة موازية على شكل الملبن ويُفرض

أحد أضلاعه قاعدة الآلة والسطح الموازي له يفرض سمك الآلة ويجعل السمك والقاعدة متساويين، وليكن طول

سمكها بقدار ما يسع فيه خمسة عشر ملوي أو أكثر متحاذية الوضع في طول السمك. ويطبق احد جانبي الملبن

بسطح محدب نجعله ظهر الآلة، وليكن السطح المحدب  من خشب هش أملس مثبتأً أو محفورأً، ويطبق جانبه الآخر

بسطح مستوٍ نجعله وجه الآلة.

ثم يركب على حافته سمك الملبن الذي يلي الوجه نصف جسم اسطواني ممدوداً على طول حافة السمك مشرفاً على

وجه الآلة ، ويجعل ارتفاعه عن وجه الآلة بمقدار  عرض إصبع أو أقل، ويجعل ذلك إما من عاج أم من خشب

صلب. ويركب أيضاً على حافة قاعدته مما يلي وجه الآلة ممدوداً على طول الحافة شبيهة المشط في العود لتشد به

الأوتار، أو يجعل بدله مثل ما على حافة السمك، وتصير مع ذلك في أوساط سطح القاعدة الأسفل شظايا ناتئة مثل

الزبيبات في الطنبور .

                

                                              من كتاب "الموسيقى الكبير للفارابي

فإذا أحكم ذلك على هذه الصنعة ، وشُدت الأوتار إما في المشط وإما في الشظايا، ثم تمد إلى السمك وتجاز على

نصف الاسطواني حتى تنتهي إلى الملاوي وتعلق فيها ثم تحزق الأوتار حزقاً واحداً حتى تتساوى نغمها كلها.  ثم

تعمل مسطرة إما متساوية لما بين القاعدة والسمك أو أطول، ويفضل من المسطرة مقدار مساوٍ للجزء الذي يتحرك

من الأوتار. ويقسم حرف المسطرة بالأقسام التي ذكرت فيما سلف قسمة بلا زلل. ويُكتب على أقسامها أسماء النغم

التي ترتب الجمع التام، ثم تعمل حوامل من عاج أو من خشبصلب على عداد الأوتار إلا واحداً، وتجعل قواعد

الحوامل مستوية استواء إذا نصبت فيه في وجه الآلة على زوايا قائمة لزمتها لزوماً تامأً، وتجعل سطوح الحوامل

العليا وهي سطوحها التي تقع عليها الأوتار محدبة في الغاية من التحديب حتى تكون مماسة الأوتار لها قريبة من

مماسة الخطوط لنقط في محدبات الدوائر، وتجعل الحوامل أرفع سمكاً من نصف الاسطواني الذي في حافة السمك

أو في حافة القاعدة بشئ قليل.

ثم نعمد إلى المسطرة فنطابق بها آخر وتر من أحد جانبي الآلة’ ونحرك حاملة ذلك الوتر إلى النقطة التي انطبقت

عليها من المسطرة حادة الحادات، ثم نطابق بالمسطرة الوتر الذي يليه ونحرك حاملة ذلك الوتر إلى النقطة التي

انطبقت عليها بواسطة الحادات ، ثم نطابق بها بعد ذلك وتلراً وتراً نحرك حواملها إلى النقط التي تنطبق عليها النغم

المتتالية من حادة الحادات إلى ثقيلة  الرئيسات، فإذا استوفيناها ورتبت الأوتار هذا الترتيب وحلركناها سمعنا حينئذ

منها المغم التي ذكرت فيما سلف وعلى ما وصفنا، فتحصل لنا عند ذلك محسوسة، وبهذه الآلة بعينها يمكننا ان نقف

على اتفاق ما شككنا في اتفاقه، وعلى تباين ما شككنا في تباينه. غير انه لما كان التجويف المعمول في الآلة سبباً

لأن يحدث دوي يختلط بعضه ببعض النغم فيعوق عن أن تسمع تلك النغمة مع أخرى على ما أوجبه القول، فلذلك

ينبغي أن يحترز من هذا وأن تعمل الآلة التي تجعل لامتحان الاتفاق والتباين ساذجاً بلا تجويف ولا شئ آخر يحدث

فيها دوياً غير نغم الأوتار المرتبة فيها".

 القانون

يُعرِف الموسيقار صبحي أنور رشيد2  كما يلي : "إن كلمة قانون العربية مأخوذة من اللغة الإغريقية " الآرن"

والكلمة الإغريقية كانت تدل على آلة ذات وتر واحد تعرف باسم "المونوكورد" وهي آلة تستعمل لقياس نسب

أصوات السلم الموسيقي

 والقانون   من أكمل الآلات الشرقية من حيث اتساع منطقتها الصوتية ، إذ إنها تغطي حوالي ثلاث اوكتافات وهي

لهذا السبب تعد بمثابة القانون أو الدستور لبقية الآلات.

 تاريخه

 القانون كما نعرفه اليوم ، آلة  اسلامية ترجع إلى العصر العباسي ، وتنتمي إلى أصول فرعونية وآشورية وإفريقية.

ورد ذلك  في (الف ليلة وليلة) وبعض المخطوطات العربية والفارسية . وكانت قياسات القانون الذي ورد وصفه في

تلك المخطوطات كالآتي:

طول القاعدة الكبرى 81 سنتم، والقاعدة الصغرى 40 سنتم ، طول الضلع المائل 74.25 سنتم ، وارتفاع القانون

 او سماكته فهي حوالي تسع سنتميترات، ويحتوي على 64 وتراً ثلاثية الشد أي إن كل ثلاثة أوتار لها درجة صوت

واحدة. هذا وبعد ان انتشرت هذه الآلة في سائر بقاع العالم العربي حاملة معها اسمها الأصلي، انتقلت إلى اوروبا

عن طريق الأندلس في القرن الثاني عشر ميلادي واصبحت آلة شعبية محببة في بعض بلاد الوسط حيث استعملت

المضارب في العزف عليها.

 وصف وصنعة القانون المستعمل في عصرنا الحاضر

 أن الشكل الخارجي للقانون لا يزال على شكل شبه منحرف قائم الزاوية يتراوح طول قاعدته الكبري ما بين 

75 سنتم و129 سنتم وعرضه ما بين 33 سنتم و44 سنتم  وإرتفاعه من 3 إلى 5  سنتم. أما عدد أوتاره فيتراوح في

الوقت الحاضر ما بين 36 و84 وتراً.

ولكن في الغالب يحتوي على 78  وتراً ولكل ثلاثة أوتار درجة صوتية واحدة.تشد هذه الأوتار بصورة موازية

لسطح الصندوق الصوتي.

 أجزاء القانون

      

 يصنع القانون من خشب الجوز ويحتوي على الأجزاء التالية:

الرقمة : وهي عبارة عن إطار  من الخشب  يقع في الجهة اليمنى من الصندوق الصوتي، وطوله يساوي عرض

القانون، أما عرضه فهو أكثر من نصف طول القبلة أي القاعدة الصغرى للقانون. تُقَسَّم الرقمة  إلى اربعة أو خمسة

أقسام ويُشَدعلى كل قسم منها قطعة من جلد السمك.

  الفرس : قضيب من الخشب مثبت على حوامل من الخشب ترتكز على جلد السمك الموجود الرقمة وفي وسطها

تقريباً. تَحْمِل الفرس اللأوتار قبل تثبيتها في الضلع القائم للصندوق الصوتي والذي يعرف (بالكعب). وهذا الجزء

المعروف بالفرس قابل للحركة ليتسنى تكبير قوة الصوت.

 الركيزة : وهي القطعة التي يرتكز عليها (الفرس ) وواسطة الاتصال بينها وبين خشب الصندوق الصوتي.

مسطرة الملاوي: وهي عبارة عن قطعة من الخشب تشبه المسطرة في الجهة اليسرى من الصندوق الصوتي وفيها

ثقوب تثبتفيها الملاوي.

               

 الملاوي : قطع صغيرة من الخشب ذات ثقب يُرْبَط الوتر فيه، والنصف الأسفل من الملاوي هو على شكل

اسطواني، والنصف الأعلى على شكل هرم رُباعي يُسهل إدارة الملاوي بواسطة مفتاح من المعدن ذي تجويف أو

فراغ يناسب شكل القسم الأعلى من الملاوي.

الآنف: وهو قطعة خشبية مثبتة فوق خط اتصال الصندوق الصوتي بمسطرة الملاوي وفيها عدة حزوز في

مجموعات ثلاثية تمر فيها الأوتار.

 الشمسية : وهي فُتَح مستديرة مختلفة الأحجام موجودة على سطح الصندوق الصوتي تساعد على تقوية الصوت .

 السرو : وهي فُتْحة غير مستديرة موجودة في سطح الصندوق الصوتي بالقرب من القاعدة الكبري من جهة الضلع

المائل للصندوق الصوتي (الأنف).

 

العُرَب: عبارة عن قطع صغيرة من المعدن تُركب عند (الآنف)

يستعملها العازف في تقصير الوتر او تطويله. وهي من التحسينات

التي أدخلت على القانون في العصر الحديث. وعدد هذه العرب اربعة

لكل وتر. يقوم العازف بتحريك العرب إلى أعلى بيده اليسرى بكل

سهولة. وفي حالة خلو القانون من هذه العُرب فإن العازف يضطر

عندئذ إلى استعمال إبهام يده اليسرى للضغط على النقطة التي كان مفروضاً أن تكون فيها العُربة.

 

طريقة العزف :

             

القانون من الآلات الوترية التي يعزف على أوتارها بواسطة (الريشة) وهي عبارة عن قطعة من قرن حيوان تُهَذَّب

بصقلها حتى تصبح رقيقة ومرنة بقدر كافٍ. يبلغ طولها حوالي خمس سنتميترات وعرضها سنتمتر واحد. عند

العزف توضع الريشة بين باطن الأصبع والكتشبان وتنبر الأوتار بطرفها المستدير الشكل.

أما الكشتبان فهو عبارة عن قطعة اسطوانية من المعدن مفتوحة الطرفين تُلَبَّس في السبابة إلى ما قبل المفصل الثاني

 ويبدو أن استعمال الكشتبانات في العزف على القانون هو أمر حديث لم يكن معروفاً  في القرون الوسطى لا في

الشرق ولا في الغرب، حيث ترينا الآثار والمشاهد على القطع الفنية الأوروبية ، أن العزف على القانون كان يتم

بالأصابع  بالدرجة الأولى ، وأحياناً بضراب صغير مثل مضراب العود.

 - الفارابي "كتاب الموسيقى الكبير" تحقيق وشرح عطاس خشبة - دار الكاتب العربي للطباعة والنشر- القاهرة

 - صبحي،أنور رشيد - الآلات الموسيقية في العراق قديماً وحديثاً - مجلة القيثارة، عدد خاص ،بغداد -تشري الأول