أقوال العلماء والفلاسفة المسلمين والعرب في منهج البحث العلمي
نستعرض في هذا المقال بعضا من أهم أقوال العلماء والفلاسفة الذين رافقوا ركب الحضارة الاسلامية والذين
كان لهم الفضل الأكبر في ارثاء قواعدها. لن نسمح لنفسنا بأي تحليل بل نترك للقارئ الكريم استنتاج نوعية منهج
البحث الذي اعتمده هؤلاء العباقرة في مسيرتهم العلمية’ كما نترك له الحكم على اولوية استنباط المنهج
التجريبي . هل هم علماء الحضارة الاسلامية ام علماء عصر النهضة العلمية الغربية؟
أقوال جابر بن حيان
يقول جابر بن حيان عميد الكيمائيين في كتابه - كتاب استقصاءات المعلم - ما يلي:
" ... بأننا لم ندل إلا بما شاهدناه ولمسناه في صورة أكيدة وبعد اختبار "
وفي كتاب – الخواص الكبير – يقول جابر : " إننا نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط دون ما سمعناه، أو
قيل لنا وقرأناه ’ بعد أن امتحناه وجربناه، فما صح عندنا بالملاحظة الحسية اوردناه، وما بطل رفضناه’ وما
استخرجناه نحن قايسناه على أحوال هؤلاء القوم ."
كما يقول : "وملاك كمال هذه الصنعة العمل والتجربة’ فمن لم يعمل ويجرب لم يظفر بشئ أبدا ."
وفي موضع آخر يقول جابر بن حيان: " فمن كان دربا كان عالما حقا ، ومن لم يكن دربا لم يكن عالما، وحسبك
بالدربة في جميع الصنائع ، ,أن الصانع الدرب يحذق، وغير الدرب يعطل. " (1)
وفي صنعة الكيمياء يقول المعلم جابر بن حيان: "إن واجب المشتغل قي الكيمياء هو العمل وإجراء التجربة وإن
المعرفة لا تحصل إلا بها."
أقوال ابن الهيثم
كان الهدف الأول لابن الهيثم خلال رحلته العلمية الطويلة هو الوقوف على الحقائق العلمية ، نستنتج ذلك من
كلامه الذي ورد في صدر كتابه- الشكوك على بطليموس – حيث يقول:
" الحق مطلوب لذاته، وكل مطلوب لذاته فليس يعني طالبه غير وجوده، ووجود الحق صعب، والطريق إليه
وعر،والحقائق منغمسة في الشبهات، وحسن الظن بالعلماء طباع في جميع الناس .
فالناظر في كتب العلماء إذا استرسل مع طبعه، وجعل غرضه فهم ما ذكروه، وغاية ما أوردوه وحصلت الحقائق
عنده، وهي المعاني التي قصدوها والغايات التي أشاروا إليها، وما عصم الله العلماء من الزلل، ولا حمى علمهم
من التقصير والخلل. ولو كان كذلك لما اختلف العلماء في شئ من العلوم ، ولا تفرقت آراؤهم في شئ من حقائق
الأمور، والوجود خلاف ذلك، فطالب الحق ليس هو الناظر في كتب المتقدمين، المسترسل مع طبعه في حسن
الظن بهم، وطالب الحق هو المتهم بظنه منهم، المتوقف فيما يفهمه عنهم، المقنع الحجة والبرهان، لا قول القايل
الذي هوانسياق المخصوص في جبلته بضروب الخلل والنقصان.
والواجب على الناظر في كتب العلوم، إذا كان غرضه معرفة الحقائق أن يجعل نفسه خصما لكل من ينظر فيه،
ويجيل فكره في متنه، وفي جميع حواشيه، ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه، ويتهم أيضا نفسه عند خصامه،
ولا يتحامل عليه، ولا يتسامح فيه، فإنه إذا سلك هذه الطريق انكشفت له الحقائق ، وظهر ما عساه وقع في كلام
من تقدمه من التقصير والشبهة."
وفي كتابه – المناظر – يقول ابن الهيثم : " ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات،
وتمييز خواص الجزئيات ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار، وما هو مطرد لا يتغير ، وظاهر لا
يشتبه في كيفية الإحساس.
ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب، مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج.
ونجعل غرضنا في جميع ما نستقر به ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرى من سائر ما نميزه
وننتقده طلب الحق لا الميل وراء الآراء. فلعلنا نهتدي بهذا الطريق إلى الحق الذي يثلج الصدر ، ونصل بالتدريج
والتلطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين ، ونظفر – مع النقد والتحفظ – بالحقيقة التي يزول معها الخلاف،
وتنحسم بها مواد الشبهات."
أما الطبيب أبو بكر الرازي الذي بنى اعماله في ميدان الطب على التجربة والبرهان فيقول : "عندما تكون
الواقعة التي تواجهنا متعارضة مع النظرية السائدة يجب قبول الواقعة، حتى وإن أخذ الجميع بالنظريات السائدة
تأييدالمشاهير العلماء ."
إن أقوال الطبيب الرازي لم تكن كثيرة في هذا المجال وانما طريقته في البحث والتدقيق المبنية على التجارب
والمشاهدة كانت خير دليل.
إن الطبيب الرازي هو أول من أجرى التجارب على الحيوانات خاصة القردة ، كما أجرى التجارب على مرضاه
فكان يقسمهم إلى فئات ويعالج كل فئة بطريقة مختلفة ثم يدرس النتائج ويحللها قبل أخذ القرار النهائي .
ومن جملة مآـثره أنه عندما طلب منه عضد الدولة اختيار المكان المناسب لبناء مشفى في بغداد ابتكر طريقة
تساعده على التحقق من جودة الهواء ، فقام بتعليق قطع كبيرة من اللحم في أماكن مختلفة من بغداد وأخذ يراقب
تفاعلها مع الهواء ليتجنب الأماكن التي تعرض بها اللحوم للتلف في مدة قصيرة.
1- الدربة يعني بها التدريب