فتح بلاد الشام

كانت بلاد الشام تحت السيطرة البيزنطية لكن الأحوال الاقتصادية والسياسية ساءت في أواخر هذا العهد وكان سكان

البلاد يلقون مضايقات كثيرة من الحكم البيزنطي مما حدا بجيرانهم الفرس بالتدخل وشن الغارة تلو الغارة بهدف

السيطرة . ففي الربع الأول من القرن السابع الميلادي كانت بلاد الشام ميدانا للحروب بين الفرس والروم.

أيام الخليفة أبو بكر الصديق

كان الرسول الكريم أول من فكر في فتح بلاد الشام حيث بعث زيد بن حارثة على رأس جيش قوامه ثلاثة آلاف

مقاتل إلى (مؤته) حيث التقى مع جيوش الروم بأعدادهم الغفيرة فقتل زيد في المعركة ومن ثم جعفر بن أبي طالب

وبعده عبد الله بن رواحة فلما أخذ الراية خالد بن الوليد انسحب ورجاله من المعركة وعاد إلى المدينة. لقد حزن

رسول الله اشد الحزن لتلك النكسة لكنه ما أن استقر بعد فتح مكة حتى اخذ يعد العدة من جديد لغزو الشام والانتقام

(ليوم مؤتة).

جهز رسول الله جيشا من ثلاثين ألف مقاتل وسار إلى تبوك فلما وصلها أراح الجند وأخذ يستعد للقاء العدو. أقام

الرسول بتبوك حوالي العشرة ليالي قفل بعدها إلى المدينة وبعث الجيش بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام

لينتقم لأبيه. فما كاد جيش أسامة يتجاوز الخندق حتى  حتى بلغ نبأ وفاة رسول الله. فوقف أسامة ثم بعث إلى

خليفة رسول الله يستأذنه بالعودة فقال له أبو بكر:لا بد والله من تسيير البعث وخرج بنفسه يودع أسامة. استطاع 

جيش أسامة أن يدخل الشام ونفّذ ما كان أمره به الرسول ورجع سالما غانما إلى الخليفة أبو بكر.

بعد ان اطفأ ابو بكر نيران الردة عقد أربعة ألوية لفتح الشام في السنة الثالثة عشرة للهجرة، وكانت على الشكل التالي :

(لواء) يزيد بن ابي سفيان و(لواء) شرحبيل بن حسنة وأمرهما أن يتخذا طريق تبوك فالبلقاء. (لواء) عمرو بن

العاص وأمره أن يسير بقرب الشاطئ إلى أيله، (ولواء ) ابي عبيدة الجراح. وكانت عدة كل لواء ثلاثة آلاف، ثم

تتالت إليه النجدات حتى بلغ السبعة آلاف.

سارت جيوش المسلمين نحو سوريا وكان أول فتح تم على أيديهم هو فتح يزيد لتبوك الذي تابع سيره إلى التلال التي

تشرف على (وادي عربة) فعلم بقدومه البطريق سرجيوس قائد فلسطين المقيم في قيسارية (قيصرته) ، فاستعد للقائه

والتقى الجمعان عند وادي عربة . انتصر يزيد في المعركة واضطر سرجيوس إلى الانسحاب إلى غزة ، فلحق به

المسلمون وجرت بين الطرفين معركة كبرى في شباط من سنة 634م عند (دائن) قتل فيها سرجيوس.

علم الامبراطور هرقل بالهزيمة فجمع جيوشه بقيادة أخيه الأمير تيودورس وأمره بالتوجه إلى جنوبي دمشق ليحميها

من العرب.

كانت أعظم معركة جرت بين الطرفين معركة (أجنادين) . شعر عمرو بن العاص بهول المعركة فكتب إلى الخليفة

يطلب النجدة فما كان من أبو بكر ألا ان كتب لخالد بن الوليد أن يترك العراق ويتوجه إلى الشام . لما وصل خالد

إلى الشام قصد (بُصرى) حيث التقى بيزيد وشرحبيل وابي عبيدة، فعاونهم على فتح (بُصرى) صلحا. ثم اتجه

الجميع إلى الجنوب لنجدة عمرو بن العاص في (وادي عربة). غير ان البزنطيين لما علموا بقدوم الجيش الإسلامي

غيروا موقعهم وقصدوا أجنادين.

التقى المعسكرين في جمادي الأولى من عام 13 هجري(تموز عام 634م) في أجنادين (مدينة بين الرملة وجبرين)

انتهت المعارك بانتصار المسلمين وقهقرت جيش البيزنطيين وتراجعه إلى القدس.

بعد انتصار المسلمين في أجنادين أخذ الجيش البيزنطي يعد عدته ليأخذ بالثأر فالتقوا مع الجيوش الإسلامية بقيادة

خالد بن الوليد  في اليرموك. وبينما المعارك حامية أتى النبأ من المدينة بوفاة أبو بكر واستخلاف عمر وتنحية خالد

وتأمير أبي عبيدة . أخفى خالد الرسالة خوفا من تضعضع المسلمين وتابع القتال حتى النصرفي معركة اليرموك

الخالدة.

أيام الخليفة عمر بن الخطاب

لما استلم عمر الخلافة عين أبي عبيدة قائدا عاما للجيوش الإسلامية . في اليوم السادس عشر من محرم سنة 14

للهجرة(13 شباط سنة 635م) سار أبي عبيدة بجيوشه نحو دمشق فحاصرها ، وكان على مقدمته عمرو بن العاص

في تسعة آلاف فارس، ومن ورائه كتائب المسلمين، وعلى الساقة خالد بن الوليد وهو راية المسلمين (العقاب). ولما

وصلوا دمشق أحاطوا بها إحاطة السوار، وضيقو الخناق على أهلها ونزل عمرو بباب الفراديس، وشرحبيل بباب

توما، وقيس بباب الفرج، وأبو عبيدة بباب الجابية (الباب الغربي) وخالد بالباب الشرقي، ويزيد بن أبي سفيان بين

بابي كيسان والصغير.

عندما اشتد الحصار كتب بطريق دمشق إلى هرقل يستنجده -وهو في حمص - فأمده بفرسان ومشاة، ولكنهم لم

يستطيعوا الوصول. وهنا تختلف الروايات عن كيفية حصول الفتح أكان بالقوة أم بالصلح أم بالطريقتين معا. بعد هذا

الفتح أخذ المسلمون ينظمون جيوشهم لمقابلة الجيش البزنطي الذي تجمع في جنوبي سورية عند بحيرة الحولة بقيادة

تيودوروس شقيق هرقل.التقي الجيشان في جنوب شرقي اليرموك عند سهل الياقوصة وكان عدد جيش المسلمين

يناهز الثلاثين الف مقاتلز اشتد القتال بين الطرفين وتم النصر للمسلمين في رجب من عام 15 للهجرة(آب سنة

636م) وتمزق الجيش البيزنطي وهرب هرقل إلى انطاكية. تابع المسلمون زحفهم حتى استولوا على سائر المدن

وهكذا تم الاتصال بين فتوح الشام وفتوح العراق. ثم تلاه فتح القدس وقضي على الدولة البيزنطية في بلاد الشام.  


لفتوحات في عهد عثمان بن عفان(مدة الخلافة 23-35 هجري/644-656

ان أول عمل قام به عثمان في خلافته هو أنه أقر عمال عمر على الأمصار. فأقر نافع بن حارث الخزاعي على

مكة، وسفيان بن عبد الله الثقفي على الطائف، أبا موسى الأشعري على البصرة، وعمرو بن العاص على مصر،

وعمر بن سعد على حمص، ومعاوية بن ابي سفيان على دمشق، وعثمان بن أبي العاص على البحرين وما والاها،

ولم يعزل سوى المغيرة بن شعبة من الكوفة وولى مكانه سعد بن أبي وقاص. وقد كان ابرز هؤلاء الولاة نشاطا في

عهد عثمان ولاة الكوفة والبصرة ومصر والشام. يمكننا إجمال تلك الفتوحات كما يلي:

1 -المشرق: أعاد المسلمون فتح إيران وخراسان وبلخ، كما فتحوا بلاد طبرستان ومصر وسرخس وبلاد الخزر

والديلم، حتى وصلوا(بلنجر) وهي اكبر مدنهم وتقع خلف دربند  - باب الأبواب - ولكن الترك تجمعوا عليهم

فهزموهم.

2- آسيا الصغرى : عني معاوية بفتح بلاد آسيا الصغرى وجزر بحر الروم، فوصلت جيوشه إلى (عمورية) قرب

(بروسة) وافتتحها واستولى على جزيرتي قبرص ورودوس، ودخل أرمينيا حتى وصل إلى (قاليقا ) و(تفليس).


3 - إtفريقية : سار سعد الله بن أبي سرح إلى إفريقية الشمالية ولما انقطعت أخباره أمده عثمان بعبيد الله بن الزبير،

فتمكن من إخضاع شمالي إفريقية كله، وغزا بلاد النوبة ، فبلغ (دنقلة) وصالح أهلها.

في عهد عثمان توسعت الفتوحات وخاضت الجيوش الاسلامية معارك هامة عدة نذكر منها :

معركة سبيطلة

تقع سبيطلة وسط غربي تونس في ولاية قصرين. التقى في تلك المنطقة جيشا الروم والمسلمين وذلك بان عثمان بن

عفان منذ توليه الحكم أراد التوسع وغزو إفريقيا التي كانت تحت حكم بطريق الروم(البزنطيين) ويسمى

جريجوريوس ويعرف بجرجير. وهذا الملك د استقل  عن الروم وجعل سبيطلة عاصمة لمملكته التي تمتد من

طرابلس في ليبيا حتى مدينة طنجة في المغرب. أرسل عثمان عبد الله بن سرح على رأس حملة سنة 27 للهجرة

648 م . توجه ابن سرح بحملته الى يرقة (في ليبيا) حيث التقى بعقبة بن نافع الذي جهز جيشه للمعركة في سبيطلة

. دامت المعركة عدة ايام ولم يحقق المسلمون اي انتصار مما حدي بالخليفة عثمان بارسال جيش يدعم المقاتلين

وعلى رأسه عبد الله بن الزبير. استطاع هذا الأخير قتل جرجير وتم النصر للمسلمين.

معركة ذات الصواري

اختلف المؤرخون في أسباب التسمية فمنهم من عزاها إلى المكان التي جرت به المعركة ويدعى ذات الصواري

ومنهم من أعاد التسمية الى كثرة الصواري في السفن الحربية التي جرت بينها المعركة بين المسلمين والروم.

جرت المعركة عام 35 للهجرة655  م حيث كانت الدولة البيزنطية تسيطر سيطرة تامة على البحر الأبيض المتوسط

تجاريا وعسكريا وذلك بفضل أسطولها البحري الهام في العدة والعتاد. كما كان لها عدة قواعد بحرية ودور لصناعة

السفن في القسطنطينية وعكا والإسكندرية وقرطاجة وغيرها من الأماكن الإستراتيجية المهمة بينما لم يكن للمسلمين

عهدا بركوب البحر.

بعد فتوح الشام أدرك المسلمون أهمية بناء أسطول بحري لمواجهة البيزنطيين وكان معاوية بن أبي سفيان أول من

اقترح على عمر ابن الخطاب بركوب البحر لكنه تم إنشاء أول أسطول بحري في عهد عثمان بن عفان. (راجع في

هذا الموقع البحرية).

في هذه المعركة  التقى الأسطول الإسلامي بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح والي مصر، وكان يتألف من مائتي

سفينة، بالأسطول البيزنطي بقيادة الإمبراطور قسطنطين الثاني خارج ساحل ليكيا في آسيا الصغرى. عندما اقتربت

المسافة بين الاسطولين بدأ  التراشق بالسهام بين المتحاربين ثم بالحجارة بعد ان نفذت السهام وكانت المعركة دامية

ولم يتم النصر لأحد . لكن سرعان ما حول المسلمون المعركة البحرية إلى معركة برية وذلك بربط سفن العدو

بسفنهم بسلاسل حديدية . عند ذلك دارت معركة بالسلاح الابيض تغلب بها المسلمون وأحرزوا نصرا مميزا .

بهذا انتهت حقبة سيادة البيزنطيين على البحر الأبيض المتوسط وانتقلت السيادة الكاملة بعد عدة معارك إلى

المسلمين.

الفتوحات في عهد الدولة الأموية  (662-750م)

 بعد مصرع الخليفة عثمان بن عفان توقفت الفتوحات الإسلامية في إفريقية عدة سنوات وذلك بسبب الصراع بين

علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان على الخلافة.ولم تتجدد إلا بعد استقرار الأمر لمعاوية سنة 41

للهجرة/662م. قرر معاوية إعادة فتح إفريقية ومواصلة حركة الفتوحات الإسلامية في بلاد المغرب  لقد عهد بهذه

المهمة إلى القائد ابن خديج الذي تقدم بجيوشه وعسكر في قمونية(جنوب قرطاجنة) ومن هنا بدأ يوجه الغزوات  إلى

مراكز البيزنطيين في إفريقية. من هذه الغزوات نذكر الغزوة التي قادها عبد الله بن الزبير إلى المدن الساحلية

واستولى على قايس وبنزرت وسوسة. استقر معاوية بن خديج في جبل القرن وجعله مقرا له لمدة ثلاث سنوات لكن

معوية بن أبي سفيان  عزله من منصبه كحاكم على افريقية وولى مكانه القائد المشهور عقبة بن نافعا الفهري.

تولى عقبة بن نافع ولاية افريقية خلال مرحلتين. في المرحلة الأولى (46-50هجري/ 667-671م) وفي عام

46 للهجرة سار عقبة بجيش كبير وفتح فزان وما وراءها من تخوم السودان الغربي فدخل ليبيا ثم تقدم إلى إفريقيا

(القطر التونسي) وفتح قسطيلية(Kastel) وتعرف اليوم (بنفطة ). ثم ما لبث أن انشأ معسكر القيروان وأقام مسجدا

بالقرب من المعسكر ومع مرور الأيام كبرت المنطقة وأصبح معسكر القيروان مدينة تجارية مهمة ومركزا من

مراكز العلم والحضارة في العالم الإسلامي. استمر حكم عقبة بن نافع على افريقية مدة خمس  سنوات وولي مكانه

أبو المهاجر دينار  الذي استمرت ولايته مدة سبع سنوات استولى خلالها على جنوب إقليم فرطا جنة كما اجتاح

المغرب الأوسط واستولى على مدنه الساحلية حتى تلمسان.

توفي معاوية بن أبي سفيان سنة 60 للهجرة/680 م وخلفه ابنه يزيد فما كان من هذا الأخير إلا أن عزل أبو المهاجر

دينار وأعاد عقبة بن نافع لولاية افريقية. تابع عقبة فتوحاته خلال سنتين متتاليتين منطلقا  من مدينة القيروان متجها

إلى المغرب الأقصى حيث وصل إلى المحيط الأطلسي ثم عاد إلى المغرب الأوسط واتجه جنوبا إلى تهودة ودارت

معركة حاسمة استشهد بها عقبة بن نافع عام 64 للهجرة/ 684م. وفيها تمكن كسيلة قائد البربر من الاستيلاء على

القيروان.

بعد مقتل عقبى بن نافع ولى عبد الملك بن مروان زهير بن القيس على المغرب وأمده بجيش كبير. سار زهير الى

القيروان وقاتل كسيلة وهزمه لكن الروم عادوا بنجدات كبيرة وقاتلوا العرب فاستشهد زهير عام 69 للهجرة 689 م.

في عام 693م ولى عبد الملك بن مروان حسان بن النعمان على المغرب. استطاع حسان ان يبسط نفوذه على البلاد

كلها من برقة إلى أطراف المغرب الأقصى. لكن عبد العزيز بن مروان والي مصر عزل حسان بن النعمان وولى

مكانه موسى بن النصير الذي تابع فتوحات في شمال إفريقيا ثم جهز جيشا كبيرا وتوجه به إلى المغرب واستطاع

ان يهزم قبائل البربر. تطلع موسى إلى فتح طنجة فجهز جيشا كبيرا بقيادة طارق بن زياد وتوجه إلى طنجة

وحاصرها ثم استولى عليها.

تابع موسى بن نصير غزواته في البحر بعد أن جهز أسطولا بحريا وأمر بإنشاء دار للصناعة في تونس وجاء

بصانعي المراكب وامرهم بصناعة مائة مركب. أمر ابنه عبد الله بقيادة الأسطول والتوجه إلى جزيرة صقلية.

استطاع عيد الله أن يدخل الجزيرة  فأخذ الغنائم وعاد منتصرا . فما كان من موسى إلا أن أرسل مجددا حملة ثانية

وفتح الجزيرة  واستولى على إحدى مدنها (سرقوسة).

بعد أن ضمن موسى بن نصير ولاء أهل المغرب اخذ يعد العدة لغزو جديد  سيما عندما ابلغه طارق بن زياد بان

يوليان حاكم سبته عرض عليه أن يتقدم لغزو اسبانيا. في شهر رجب عام 92 للهجرة جهز موسى جيشا خليطا من

العرب والبربر بقيادة طارق بن زياد الذي انطلق بجيشه حتى سبتة ثم قرر عبور المضيق . استطاع طارق بن زياد

وجيشه الكبير عبور المضيق الذي سمي باسمه في شهر رجب سنة 92 للهجرة(ابريل 710م). نزل طارق بن زياد

وجيشه ارض الأندلس وبعد عدة معارك فتح الجزيرة الخضراء.

وهكذا اتسعت الدولة الأموية وبلغت أقصى حدودها الجغرافية