تقديم كتاب

الفيزياء التطبيقية والهندسة الميكانيكية

 

 

عبر العصور الذهبية عند العرب

 

تأليف : الدكتورة منى سنجقدر شعراني

 

تقديم : د. أبو بكر خالد سعد الله

 

الجزائر

 

 

صدر عن دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت في مطلع هذه السنة كتابا بعنوان "الفيزياء التطبيقية

 

والهندسة الميكانيكية عبر العصور الذهبية عند العرب" للباحثة والمؤرخة اللبنانية الدكتورة منى سنجقدار

 

شعراني. ويتناول هذا الكتاب - الذي يقع في 240 صفحة من الورق الممتاز - دراسة في ستة فصول حول

 

تطور الفيزياء التطبيقية والهندسة الميكانيكية عند العرب خلال الفترة الممتدة من القرن 3هـ/9م إلى القرن

 

10هـ/16م وذلك بالاعتماد على مجموعة من المخطوطات العلمية التي تبحث في حقلي الفيزياء والهندسة.

 

وأصحاب المخطوطات التي انكبت على تحليلها المؤلفة هي من وضع كبار العلماء المسلمين : بنو موسى

 

بن شاكر، والخازني، والمرادي، ورضوان الساعاتي، والجزري وتقي الدين بن معروف الدمشقي.

 

        ومما لا شك فيه أن عصرنا يتميّز بالتطور السريع، فهو عصر التكنولوجيا والنانوتكنولوجيا، وهذا لا يمنع

 

        الباحثين من الاهتمام بالجانب التاريخي للعلم وتطوره عبر الحقب الزمنية، بل بالعكس فهو ما يدفعهم إلى

        

        تبيان المسالك التي  سلكها هؤلاء العلماء فأدت بنا إلى ما نحن عليه اليوم. ثم إن التعرّف على المراحل

 

        والأشواط التي قطعها العلم من شأنه أن يساعد المتتبعين على إدراك واستيعاب الكثير من الأفكار التي لا

 

         تظهر إلى العيان، منها تلك التي يمكن  توظيفها في تطوير أساليب التعليم وتلقين المتعلم مختلف المفاهيم

 

         العلمية.

 

في البداية، قدمت المؤلفة لكتابها بلمحات تاريخية وبتعاريف مختلفة بدءا بالعهد الإغريقي ومرورا بالعصر

 

الذهبي للحضارة العربية الإسلامية حيث كان يسمي علماؤها الميكانيك بـ "علم الحيل". ومن التعاريف التي

 

نجدها في تراثنا لعلم الحيل هو ما ذكره محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي في كتابه "مفاتيح

 

العلوم" (أعيد طبعه بالقاهرة عام 1981) حيث اعتبر أن علم الحيل واحدا من العلوم الثمانية وهي :

 

"الفلسفة، المنطق، العلم الإلاهي، الطب، الأرثوماطيكي (أي علم الحساب)، الهندسة، علم النجوم، علم

 

الحيل، الموسيقى، الكيمياء". ثم يقسم علم الحيل إلى قسمين هما : "جرّ الأثقال بالقوة اليسيرة وآلاته؛ أما

 

قسمه الثاني فهو "حيل حركات الماء وصنعة الأواني العجيبة وما يتصل بها من صنعة الآلات المتحركة

 

بذاتها".

 

 ونجد في هذا الحقل مصطلحا يبدو غريبا رغم تداول استعماله، وهو مصطلح "الآلات الروحانية".

 

والمقصود بذلك - حسب صبح الأعشى، كما أوضحه في كتابه "مفتاح السعادة" - "حيل حركات الماء

 

وصنعة الأواني العجيبة". لكن هناك من لا يفرّق بين "علم الحيل" و"الآلات الروحانية". وتلخص الدكتورة

 

شعراني هذا الأمر بالقول إن علم الحيل يندرج ضمن الهندسة الميكانيكية، وهو علم يبحث في الآلات

 

الميكانيكية والتجهيزات الهيدروليكية. وعلم الحيل كما يصفه بعض علمائنا هو علم يهدف إلى " الحصول

 

على الفعل الكبير من الجهد اليسير".

 

وقد أوضحت المؤلفة التقنيات المشتركة في نماذج حيل بني موسى معتمدة على الأشكال المقترحة من قبلهم.

 

وأشارت في آخر مقدمتها إلى بعض الأسماء اللامعة من الكتاب المعاصرين الذين اهتموا بتاريخ الميكانيك.

 

ومن أبرز علماء العرب والمسلمين الذين حققوا إنجازات في الفيزياء التطبيقية والميكانيكية نجد الأخوة

 

الثلاثة أبناء موسى بن شاكر (ف. 3 هـ/9م)، وهم محمد وأحمد وحسن الذين كانوا من أركان العلم في بداية

 

العصر العباسي. وكان والدهم موسى مهندسا وفلكيا ومنجما في قصر المأمون. ولما توفي ترك أولاده في

 

رعاية هذا الخليفة الذي ألحقهم ببيت الحكمة، فتعلموا على أيدي علماء زمانهم، كما استفادوا من حركة

 

الترجمة التي شجعها المأمون ورعاها مدة خلافته، فنبغوا في علوم مختلفة.

لقد أشرف هؤلاء الأخوة على أعمال تتعلق بترجمة العلوم في دار الحكمة واشتغلوا في الرصد. وذهب بهم

 

الأمر إلى إنشاء مرصد ببيتهم في الرصافة ببغداد. كما كان لهم إسهام في حساب محيط الأرض. ومن

 

المعلوم أنهم اهتموا أيضا بالموسيقى وألّفوا فيها، ولهم فيها كتاب بعنوان "الآلة التي تزمر بنفسها" كما

 

سنرى لاحقا. وقد شرحت الدكتورة منى الشعراني هذا المخطوط وأعادت الرسومات المندثرة في نسخة

 

المخطوط.

 

 وهناك كتاب شهير لبني موسى هو "كتاب الحيل" حققه أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي،

 

حلب، 1981، ...). ويعتبر هذا الكتاب أول مؤلَّف معروف وضع باللغة العربية يتحدث عن الحيل

 

والميكانيك بصفة عامة، وهو أول كتاب تقني يتناول موضوع "الحيل العملية" و"يتضمن من الصناعات

 

الغريبة والحيل المستظرفة كل عجيبة" كما قال ابن خلدون في مقدمته حيث صنفه ضمن كتب العلوم

 

الهندسية كتطبيق للهندسة في الصنائع العملية.

وكتاب الحيل يتضمن مئة شكل تصف آلات مختلفة تفيد في العديد من أمور الحياة مثل :

 

 - أشكال أباريق يمكن استعمالها لأغراض مختلفة،

- أشكال فوارات مائية يظهر فيها الماء بأشكال مختلفة،

- سراج يعمل بالزيت،

- آلات للآبار،

- آلة يستخرج بها الإنسان الجواهر من قاع البحر أو الأشياء التي تغرق في البحار والأنهار.

فعلى سبيل المثال، هناك 37 شكلا خاصة بالأواني التي تُملأ ماء، ثم يخرج منها الماء ويتوقف عن الخروج

 

آليا أو بحيلة خفية. كما يوجد في الكتاب 31 شكلا تعنى بتوجيه خروج أو إيقاف خروج لونين من الشراب

 

أو أكثر، وذلك بصورة آلية أو باستعمال حيلة معينة. ومحلّ الغرابة في هذه الأواني أن يكون خروج

 

الشراب بلون بعد لون، أو أن يخرج الشراب الأول عند ملء الآنية بالشراب الثاني أو العكس، أو أن يكون

 

خروج أحد الشرابيْن صافيا أو ممزوجا بالثاني، الخ.

 

وتشير المؤلفة أيضا إلى 16 شكلا تهتم بالأواني التي فيها مخرجان أو أكثر، ويخرج السائل من مخرج بعد

 

مخرج، أو تحتوي على سائلين مختلفين يخرج كل منهما من مخرج معيّن، ثم يتبدل ذلك فيخرج السائل

 

الأول من المخرج الثاني، والعكس بالعكس إلى غير ذلك من المظاهر الغريبة.

ولاحظت الأستاذة الشعراني بخصوص عمل بني موسى في هذا الباب أن آلاتهم تتميّز بالدقة، وأن بعضها

 

متطور جدا ... وهي أشبه بالآلات الحديثة علما أن بعضها قد صنع في جامعة أرلاتكن الألمانية بطلب من

 

المتحف الألماني بميونيخ واشتغل بشكل جيد.

وتشير المؤلفة بهذا الصدد إلى أن أبناء موسى انفردوا في الاعتماد على قوة دفع الماء لتعبئة عدة أحواض

 

مرتبة أفقيا على سطح واحد. كما أشارت إلى ما يعرف بالصمامات المخروطية ملاحظة أنها قد ظهرت في

 

الغرب لأول مرة في أعمال ليوناردو دي فينتشي، وشرع في استخدامها ضمن كتب الهندسة الأوروبية عام

 

1588م، أي بعد حوالي ثمانية قرون من عهد بني موسى.

 

وعندما تناولت الدكتورة الشعراني آلات بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري (6-7هـ/

 

12-13م) الذي عاش قي بلاط الأسرة الحاكمة في ديار بكر، لاحظت أن وصفها ورد في كتابه "الجامع

 

بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل". يقول سرتون بشأن أهمية هذا الكتاب إنه "أكثر الأعمال تفصيلا

 

من نوعه، ويمكن اعتباره الذروة في هذا المجال بين الإنجازات الإسلامية". أما مؤرخ العلوم سميث فيقول

 

: "لم تكن لدينا حتى العصور الحديثة أية وثيقة من أية حضارة أخرى في العالم، فيها ما يضاهي ما في

 

كتاب الجزري من غنى في التصاميم وفي الشروحات الهندسية المتعلقة بطرق الصنع وتجميع الآلات" .

 

وقد أثار هذا الكتاب اهتمام عدد كبير من المؤرخين المعاصرين نظرا لطريقة عرضه وألوانه البهية فضلا

 

عن محتوياته في حقل الميكانيك التطبيقية التي تتعرض في معظمها إلى موضوع الدمى المتحركة. وقد

 

اعتمدت الدكتورة الشعراني على هذا المرجع في كتابها.

ومن تلك الدمى ذلك الكأس الذي صمّمه الجزري لمجالس الشرب. وهو كأس من فضة على رأسه غطاء

 

مسطح ومخرّم. وفي وسط الغطاء قبة عليها بطة منقارها مفتوح ودون حافة الكأس بلبلة. عندما يأتي الساقي

 

بالكأس يضعه في وسط المجلس، ويصب على غطائه شرابا فيدور الطائر ويصفر. وعندما ينتهي الساقي

 

من الصب يقف الطائر وينتهي الصفير. ومن يقف أمامه وجب عليه تناول ذلك الشراب. فإن شرب وترك

 

في الكأس البعض من المشروب صفّر الطائر، ولا ينقطع صفيره حتى يفرغ الكأس.

ومن ابتكارات الجزري التي أوردتها المؤلفة نجد ما يسمى بالكفّة، وهي وعاء صغير له شكل مميز مثقّل

 

في أسفله بحيث يظل سطحه موازيا للأفق سواء كان ملآنا أو فارغا. أما إذا أضيفت إليه قطرة ماء فوق

 

سعته فإنه ينقلب ويفرغ كل ما فيه. والملاحظ أن الجزري يتميّز بوصفه الدقيق لمثل هذه الآلات المثيرة.

 

أما تقي الدين بن معروف الدمشقي (القرن 10 هـ/16م) فقد ألف العديد من الكتب ذكرت منها المؤلفة 12

 

كتابا، لكنها لم تهتم سوى بإثنين منها : مخطوط "الطرق السنية في الآلات الروحانية" ومخطوط "الكواكب

 

الدرية في البنكامات الدورية". والبنكامات (جمع بنكام) تعني هنا "الساعات المائية".

ويتميّز كتاب "الطرق السنية في الآلات الروحانية" حسب المحقق أحمد يوسف حسن بأنه يكمّل حلقة مفقودة

 

في تاريخ الهندسة الميكانيكية العربية. كما ترجع أهميته أيضا إلى كونه وضع في عصر النهضة الأوروبية

 

حيث انتهى منه مؤلفه عام 959هـ/1552م. وهذا التاريخ سابق لتاريخ نشر كتاب الألماني جيورجس

 

أغريكولا الذي ظهر عام 1556م، كما سبق المهندس العسكري أغسطينو راميللي الذي ظهر كتابه حول

 

الآلات عام 1588م. وتشير المؤلفة إلى أن دراستها المعمقة من الناحية العلمية والتقنية لكتاب تقي الدين

 

جعلها تتأكد – حسب ما اطلعت عليه من وثائق - بأنه أول موسوعة علمية في الساعات الميكانيكية.

ويحتوي هذا الكتاب بوجه خاص على حيل لم تكن موجودة في ما عرف عند بني موسى والجزري إذ

 

انشغل بمسائل جرّ الأثقال استعرضت منها المؤلفة أربعة نماذج. ومن تلك النماذج المثيرة نجد نموذج

 

الدواليب المتداخلة الأسنان التي لا تتطلب سوى قوة بخمسة أرطال لجرّ ثقل زنته واحد وثلاثون قنطارا. أما

 

في رفع الأثقال عبر البكرات فتبيّن دراسة تقي الدين أن آلته ترفع ثمانين رطلا (40 كلغ) بالجذب على حبل

 

بقوة خمسة أرطال.

 

وتناولت المؤلفة في الفصل الثاني من كتابها موضوع الآلات الموسيقية. فأوضحت بادئ ذي بدء أن

 

الموسيقى الميكانيكية ظهرت إلى الوجود خلال القرن الرابع عشر ميلادي مع قرع الأجراس الكبيرة

 

والجلاجل الضخمة. وتذكر الدكتورة الشعراني أن هناك جلاجل عزفت عام 1321م ألحانا موسيقية بطريقة

 

ميكانيكية. ولاحظت أن موسوعة لاروس Larousse الفرنسية تؤكد أن البربخ الموسيقي (وهو الجزء

 

الأساسي في الآلات الموسيقية الذي يحمل الشظايا) لم يكن له وجود قبل أواخر القرن الخامس عشر. غير

 

أن الدراسة التقنية والتحليل العلمي لمخطوط "الآلات التي تزمر بنفسها" لبني موسى (القرن التاسع

 

الميلادي) تثبت عكس ما ذهبت إليه تلك الموسوعة.

ونجد في مخطوط بني موسى عدة أقسام منها : وصف أجزاء الآلة الموسيقية، وصف طريقة العمل بها،

 

شرح طريقة توزيع الشظايا على البربخ، كيفية تحويل الأنغام، شرح إمكانية تكوين فرقة موسيقية، صيانة

 

الآلات. واستخلصت المؤلفة عبر دراستها عندما تحدثت عن ميكانيك الدمى المتحركة أن ما قدمه بنو موسى

 

في هذا الباب قد سبق علماء الغرب بعدة قرون في تصميم الدمى المتحركة بتقنيات متميزة. كما تناولت

 

الكاتبة في باب الموسيقى ما قدمه الجزري وتقي الدين الدمشقي.

وخصصت الدكتورة الشعراني الفصل الثالث لآلات رفع الماء، والمقصود بذلك الفوارات والمضخات. وهنا

 

أيضا نجد أبناء موسى يتناولون موضوع الفوارات ولم يتطرقوا في كتابهم لآلات رفع الماء. أما الجزري فقد

 

عالج موضوع الفوارات والمضخات التي ترفع الماء من بئر غير عميقة أو نهر جار. كما تعرض إلى حالة

 

رفع الماء من بئر بآلة تديرها دابة، أو رفعه عبر دواليب من مكان منخفض بعشرين ذراعا موضحا كل ذلك

 

بأشكال دقيقة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تقي الدين الدمشقي تطرق إلى نفس الموضوع.

 

وفي الفصل الرابع نجد دراسة مطولة للمؤلفة حول آلات قياس الزمن، وهي الساعات المائية والميكانيكية.

 

والعالم الذي له باع طويل في هذا المجال هو أبو الفتح عبد الرحمن منصور الخازني (6هـ/12م) صاحب

 

كتاب "ميزان الحكمة". وللخازني كتب أخرى منها "الآلات العجيبة الرصدية". وقد استعرضت المؤلفة في

 

كتابها محتوى المقالة الثامنة من كتاب "ميزان الحكمة".

وممن تناولوا أيضا باب الساعات نجد تقي الدين الدمشقي الذي تطرق لهذا الموضوع في مؤلفه "الكواكب

 

الدرية في وضع البنكامات الدورية". وتشير المؤلفة إلى أن ابن خلف المرادي (ق. 5هـ/11م) هو أول من

 

درس الساعات المائية في كتابه "كتاب الأسرار في نتائج الأفكار"، لكن نسخة هذا المخطوط متآكلة ولم

 

تتمكن المؤلفة من تتبع وصف أية آلة من آلاته تتبعا. ورغم ذلك تظهر في بعض الرسومات دواليب مسننة

 

وحبال وبكر ودواليب مائية. ويتحدث المخطوط عن وجود مرآة من الزجاج الأبيض الرقيق، كما يقدّم

 

تعريفات للمعادن المستخدمة في تركيب الساعات. ومن ثم استخلصت المؤلفة أن صاحب المخطوط كان

 

متقدما جدا في الجانب التقني.

كما قدمت المؤلفة عمل فخر الدين رضوان الساعاتي (6-7هـ/12-13م) الذي قال عنه ابن أبي أصيبعة في

 

كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" أنه كان "أوحدا في معرفة الساعات وعلم النجوم". وكان محور

 

دراسة الدكتورة الشعراني في باب آلات قياس الزمن كتاب "علم الساعات والعمل بها" لهذا العالم. وأسهبت

 

المؤلفة في الحديث عن الساعات الميكانيكية وفي شرح طرق صناعتها ومكوناتها، وذلك بتقديم بعض

 

النماذج التي أوردها العلماء العرب والمسلمين.

وتناول الفصل الخامس من عمل الشعراني موضوع الآلات الفلكية (آلات الرصد، الأسطرلاب، ...) الذي

 

صال فيه العرب وجالوا. وأكدت المؤلفة على سبيل المثال أن أنبوب الرصد قد استخدم عند العرب

 

والمسلمين منذ نهاية القرن التاسع الميلادي، وأنه انتقل إلى أوروبا خلال القرون الوسطى حيث صار آلة

 

تقليدية في علم الفلك. أما الفصل السادس والأخير فتطرق إلى الآلات الحربية مثل المنجنيق والمدفع

 

والمكحلة. وذكرت المؤلفة في هذا السياق أن المراجع تشير إلى أن أقدم تاريخ لاستعمال السلاح الناري كان

 

عام 742هـ/1342م.

 

واختتمت الأستاذة الشعراني كتابها بمعجم لمعاني بعض المصطلحات متبوعا (بعد المراجع) بمجموعة

 

كبيرة من الصور الملونة والدقيقة للآلات الواردة في الكتاب. وقد غطت هذه الصور الجميلة 47 صفحة من

 

الكتاب. وحرصت الشعراني على توضيح مضمون كل صورة في بضع جمل مع الإشارة إلى المصادر

 

التي أخذت منها تلك الصور.

لقد وفّقت المؤلفة أيما توفيق في إلقاء الضوء على بعض ما أنجزه العرب والمسلمون وصمموه من آلات في

 

حقل الميكانيك والفيزياء التطبيقية، وذلك بلغة عربية سلسلة في متناول القارئ العربي غير المختص. وهي

 

ترجو أن يحفّز عملها العلماء على البحث عن المخطوطات العربية التي تعنى بهذا الجانب وتحقيقها

 

والاستفادة من مضامينها.

وترى المؤلفة أن العلماء العرب والمسلمين قد ألموا بالجانب النظري في الحقل العلمي وطبقوه في ميادين

 

عديدة. وهكذا نلاحظ مثلا أن بني موسى وتقي الدين الدمشقي طبقوا قواعد علم سكون السوائل والموائع.

 

كما اعتمدوا على قوة دفع الماء وثقله على الدواليب وطبقوا قوانين الروافع وقوانين طفو الأجسام في الماء،

 

وابتدعوا تقنيات جديدة متعددة. وإذا التفتنا إلى الخازني وجدناه يقدم نوعا جديدا من الموازين لتحديد الزمن.

 

أما المرادي فقد تقدّم على غيره في مجال الدواليب المسننة والمتشابكة حيث تجاوز التشابك عنده أكثر من

 

دولابين. وبطبيعة الحال فهؤلاء العلماء ليسوا الوحيدين الذين أسهموا في هذا الحقل خلال أيام عزّ الحضارة

 

العربية الإسلامية.

لقد كان بناء الحضارة العربية الإسلامية بحاجة إلى مهندسين وصناعيين في مختلف الاختصاصات (تشييد

 

القصور والمباني والجسور وحفر القنوات والصناعة بأنواعها المختلفة، بما فيها الصناعات الحربية

 

وصناعة السفن). ومن الواضح أن مؤرخي العلوم العربية الإسلامية قد تمكنوا من تعريفنا بالكثير من

 

إنجازات أسلافنا في الطب والرياضيات والفلك والكيمياء وغيرها، إلا أنهم قصّروا في تزويدنا بمعارف

 

تعكس منجزات المهندسين العرب والمسلمون.

لذلك نرى أن ما ألّفته الدكتورة منى الشعراني من كتب في هذا الحقل، سيما الكتاب الذي بين أيدينا، مؤلفات

 

بالغة الأهمية لكونها تسدّ بعض هذه الحاجة وتزيل جزءا من الثغرات الكثيرة في هذا الباب. ومن هذا

 

المنظور فلا يسعنا إلا أن نحثّ القارئ العربي على الإطلاع على هذا المولود الجديد متمنين أن تتمكّن

         الدكتورة الشعراني من مواصلة بذل الجهد لنفض الغبار عما تركه الأجداد في حقل الآلات وتقنياتها.

 

 

ملاحظة: لقد تخلت دار المعرفة عن توزيع الكتاب يمكننا تأمينه لكم عند الطلب