مفهوم الخلاء عند العرب
إن أهم العلماء العرب الذين بحثوا في نظرية الخلاء هم : إبن سينا ، هبة الله أبن ملكا وفخر الدين الرازي
دراسات ابن الهيثم في موضوع الخلاء (القرن الحادي عشر ميلادي)
لقد اهتم إبن الهيثم بأعمال أريسطو وتأثر بفلسفته فدرس معظم كتبه ومنها "السماع الطبيعي" الذي تناول فيه ستة
أموراعتبرت في ذلك الوقت مبادئ علم الطبيعة وهي: المكان، الخلاء، اللانهاية، الزمان، الحركة والمحرك الأول.
لقد عبر إبن الهيثم عن تأثره باريسطو فقال : "وقد انقطعت إلى طلب معدن الحق... فخضت لذلك ضروب الآراء
والاعتقادات ، وأنواع علوم النباتات، فلم أحظى من شئ منها بطائل، ولا عرفت للحق منهجاً، ولا إلى الرأى اليقين
مسلكاً، فرأيت أنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأساسي الأمور الحسية، وصورتها الأمور
العقلية، فلم أجد ذلك إلا فيما قرره أرسطوطاليس من علوم المنطق والطبيعيات والإلاهيات التي هي ذات الفلسفة
وطبيعتها".
بحث إبن الهيثم في الرياضيات والطبيعيات والفلك والطب والفاسفة وبرز بصفة خاصة في البصريات .
من مؤلفاته "رسالة في ماهية المكان والخلاء" والتي هي موضع بحثنا هذا بالنسبة لنظرته لوجود الخلاء أو عدمه.
يستهل إبن الهيثم رسالته بمناقشة آراء من سبقه في هذا المجال ثم يعطي تعريفاً واضحاً للمكان والخلاء فيقول:
"...فمكان الجسم هو أبعاد الجسم التي إذا جردت من التخيل كانت خلاء لا مادة فيه مساويا لجسم شبيه بشكل
الجسم".
:ان إبن الهيثم من مؤيدي وجود الخلاء وقد تعرض لهذا الموضوع في رسالته حيث يقول:"...والخلاء ليس بذي
مادة ولا فيه مدافعة وإنما الخلاء هو أبعاد فقط متهيئة لقبول المواد".
وفي حديثه عن ماهية المكان والخلاء فيقول: " إن كل جسم له شيئان: كل واحد منهما يختمل أن يسمى مكانا له،
فأحدهما السطح المحيط بالجسم أعني سطح الهواء المحيط بالجسم الذي في الهواء، وسطح الماء المحيط بالجسم
الذي في الماء، وسطح كل جسم في داخله جسم منفصل عنه، وهو الذي ذهب إليه إحدى الطائفتين المختلفتين .
والمعنى الآخر هو الخلاء المتخيل الذي ملأه الجسم فاما كل جسم فإنه قد انتقل من الموضع الذي هو فيه ، فإن
السطح المحيط به كان يمكن أن يتخيل خالياً لا جسم فيه، وإن كان قد ملأه هواء أو ماء أو جسم من الأجسام غير
الذي كان فيه. وأريد بالموضع أحد الأمكنة التي تقدم ذكرها، التي كان كل واحد منها يسمى بالاتفاق مكاناً".
ويمضي ابن الهيثم بمناقشة الآراء المطروحة عن ماهية المكان والخلاء فيقول: "فأما الخلاء المتخيل الذي قد ملأه
الجسم ، فإن الذي يعترض فيه من الشبه، هو أن يقال أن الخلاء ليس موجوداً في العالم ، فإذا قيل ان كان الجسم
هو الخلاء، لزم ان يكون مكان الجسم شئ ليس بموجود ، والجسم موجود، وكل جسم موجود فهو في مكان.
وإذا كان المتمكن موجوداً فمكانه موجود ، فيلزم أن يكون الخلاء موجوداً وهو قول شنيع عند من يقول أن الخلاء
ليس موجوداً.
ويقول في موضع آخر:"...والخلاء ليس بذي مادة ولا فيه مدافعة، وإنما الخلاء هو أبعاد فقط متهيئة لقبول المواد".
شرح هبة الله إبن ملكا لمفهوم الخلاء(النصف الثاني من القرن الثاني عشر ميلادي)
من خلال دراسته للأجسام وعلاقةها بالوسط المتحركة فيه يقول هبة الله ابن ملكا في كتابه "المعتبر في الحكمة "
ما يلي:"...والمتحرك في الخلاء يتعين لقطعه مسافة ما في زمان لا محالة. فإن كان سريعاً فيكون ذلك مثلا نصف
زمانها لو كانت في الهواء ونصف زمان الكاينة في الهواء كون تحركه في معاوق أرق وأقل مقاومة ، وتكون نسبة
مقاومته إلى مقاومة الهواء كنسبة هذا الزمان المفروض للحركة في الخلاء إلى زمان حلركة الهواء، فيتساوى
زمان حركة الخلاء الذي لا مقاومة فيه بزمان حركة في مقاومة مفروضة ، فتكون الحركة حيث لا مقاومة مساوية
في السرعة والبطئ للحركة في مقاومة وهذا محال..."
وفي موضع آخر من كتابه فيقول:"...والقوة نفسها لا تبطل ولا تفنى، وإنما يبطلها في الملأ مصادمة ما يلاقيها في
مسافتها من معاوق بعد معاوق فيضعفها حتى تفنى وليس ذلك في الخلاء..."
وفي موضع آخر من كتابه وذلك في معرض رده على القائلين ببطلان الخلاء يقول:" وأما الحجة المبطلة للحركة
في الخلاء بالسرعة والبطء في الزمان، فإن فيها مإالطة أيضاً من وحهين، أحدهما في القول بأنه لا يتساوى زمان
الحركة في الخلاء، وزمانها في المقاوم المفروض، وقد يتساوى ذلك. ولا يؤثر المعاوق الضعيف جداً في المتحرك
القوي، إذ قد يبلغ من ضعف المعاوق الا يِؤثر أشياء نراها عياناً، مثل عشرة من المحركين إذا اقلوا حجراً ونقلوه
مسافة ما في زمان ما ، فإنه يلزم أن يكون الواحد منهم يقدر على نقله عُشر تلك المسافة ، أو تلك المسافة في عشرة
أضعاف، بل قد لا يحركه أصلاً...".
مفهوم الخلاء بالنسبة للإمام فخر الدين الرازي (النصف الثاني من القرن الثاني عشر ميلادي)
في إشارته إلى مقاومة الوسط للجسم الذي يتحرك فيه يقول الإمام فخر الدين الرازي في كتابه"المباحث المشرقية"
ما يلي: " إن الجسم إذا تحرك في مسافة ، فكلما كان الجسم الذي في المسافة أرق كانت الحركة فيه أسرع، وكلما
كان أغلظ كانت الحركة فيه أبطأ،لأن الرقيق شديد الانفعال عن الدافع الخارق، والغليظ شديد المقاومة ، وأيضاً
المشاهدة تدل على ذلك. وإذا ثبُت ذلك فنقول إذا فرضنا الجسم متحركاً في خلاء فلا بد وأن يكون في زمان...وكذلك
إذا كان متحركاً في ملأ، ولا شك في ان زمان الحركتة في الملأ أطول من زمان حركته في الخلاء. ولا شك ان
زمان الحركة الخلائية إلى زمان الحركة الملائية نسبة".
وفي موضع آخر من كتابه يقول:" ...أما الزمان الذي يقابل أصل الحركة فهو حاصل للحركة التي تكون في الخلاء
وأما الزمان الذي يقابل المقومة فلا شك أنه يقل بقلة المقاومة ويكثر بكثرتها... فلا يلزم من هذا أن تكون الحركة في
الخلاء مساوية للحركة في الملأ".
يتضح مما تقدم بأن العلماء العرب اعترفوا بوجود الخلاء واستطاعوا التوصل إلى بعض من مواصفاته.