-  الموسيقى العربية في العصر الأموي (661-750 م)  

 عندما استلم بنو أمية مقاليد الأمور من الخلافة الإسلامية امتدت الإمبراطورية العربية شرقا حتى نهر جيحون

وجبال الهندوس،وغربا حتى المحيط الأطلسي وجبال البرنس، وبدأ ركب الحضارة الإسلامية يشق طريقه إلى

المجد، فاذدهرت الفنون والعلوم، وانتقلت الموسيقى العربية إلى مرحلة جديدة.

 أقام الأمويون خلافتهم في دمشق، وأنشأوا لانفسهم القصور بفاخر الرياش، وألحقوا المغنين بهذه القصور بعد أن

عشقوا هذا الفن الجميل.  وعلى الرغم من تشدد وتعصب خلفاء بني أمية أمثال عمر الثاني (717-720 م) فان

الموسيقى ازدهرت في عهد هذه الأسرة ووجد  الموسيقيون مكانا رحبا  في البلاط الملكي وعناية خاصة من الخلفاء

الأمويين. فشجع عبد الملك الموسيقى وكان ملحنا مجيدا، كما كافأ الشعراء بالهبات العظيمة.

 وتولى الوليد الأول (705-715) الحكم في مزدحم الحوادث، إذ رفع لواء الإسلام داخل حدود الصين في الشرق

وعلى شواطئ المحيط الأطلسي في  الغرب وعبر البحر الأبيض المتوسط، وأقيمت أسس خلافة عربية في إسبانيا.

ويقول موير  إن الثقافة والفنون أخذت بالازدهار في عصره فتقدمت الموسيقى تقدماً سريعاً  جداً. وبالرغم من

مشاغله الكثيرة فقد استدعى رأسي الموسيقى في مكة والمدينة - ابن سريج ومعبدا - إلى البلاط في دمشق واستقبلهما

استقبالا يفوق استقبال الشعراء احتراما وشرفا.

 هذا وقد حذا بقية خلفاء بني أمية حذوه، فكان بلاط الخليفة مليئا بالموسيقى، ونال هذا الفن أكبر تشجيع، اللهم إلا في

عهود معاوية الأول وعبد الملك وعمر الثاني. ونال المغنون والعازفون من الاحترام والمنح الجزيلة ما لا يعادله 

شيء إلا في العصرالذهبي أي العهد العباسي فاسترجعت بذلك الموسيقى والموسيقيون إلى حد ما بعض ما كان لها

ولهم من إعجاب وتقدير في حياة العرب الاجتماعية. فلم تعد الموسيقى من عمل الرقيق وحدهم بل نرى موالي ذوي

مراكز اجتماعية عالية يمتهنون الموسيقى.

 من أبرز المغنين العرب، في أول الحكم الأموي، سائب خائر الذي أسبغ الروح العربية على الغناء الفارسي

واستخدم العود بدل القضيب في الغناء،وسار على النهج نفسه آخرون ممن تتلمذوا عليه أمثال ابن سريج ومعبد.

ومن النساء عزة الميلاء وجميلة.

ومن السمات الموسيقية لهذا العهد ظهور  الأغنية الفردية التي كانت تؤدى بمصاحبة العود. وفي عهد يزيد الأول

المتوفى عام 683 م والذي لقب براعي الموسيقى العربية، نسمع لأول مرة عن وجود منشد البلاط أو منشد القصر.

فقد كان شاعراً مجيداً. ويقول المسعودي أنه كان أول من سمى الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنين.ويؤكد

كروسلي هولاند ان أهمية الأغنية العربية فاقت أهمية الموسيقى الآلية لفترة طويلة دامت حتى القرن العاشرميلادي

لقد صحب تقدم الغناء والشعرتطورا في الآلات الموسيقية، لقد كان العود العربي بادئ الأمر ذا وجه من الجلد،

واستمر كذلك حتى ظهر العود الفارسي المسمى بالبربط في مكة حوالي 685 م، وكان وجهه خشبيا، فأصبح العود

العربي ذا وجه خشبي منذ ذلك التاريخ. وقد بدأ في ذلك العصر  ابن مسجع الملقب بأبي الموسيقى العربية القديمة،

في وضع قواعد للعزف والأداء والتلحين. لذا سمي الغناء العربي في ذلك الوقت بالغناء المتقن ، ومن خلال رحلته

في بلاد فارس وسوريا استطاع أن يتعلم كثيرا من النظريات والقواعد الموسيقية. فاستعان بفنه وعبقريته وموهبته

وأبعد الروح الأجنبية عن طابع موسيقانا، وأدخل من التجديدات اللحنية ما استطاعت الأذن العربية أن تستوعبه

وتتذوقه. ووضع أسسا وقواعد ونظريات للغناء والعزف على العود وللتلحين أيضاً.

لذا يؤكد كثير من المستشرقين والمؤرخين على أن المدرسة الموسيقية العربية الكلاسيكية التي أوجدها ابن مسجع

هي مدرسة قومية الطابع، وان كانت تأثرت بمؤثرات فارسية وبيزنطية وإغريقية وغيرها من المؤثرات التي تحتمها

امتزاج الحضارات.وهذا يظهر في بعض الزخارف اللحنية التي تستخدم في موسيقانا العربية حتى يومنا هذا،

وانتقلت إلينا منذ ذلك العهد البعيد.

 ومن الإيقاعات التي كانت تستخدم بكثرة في الموسيقى العربية أبان العهد الأموي إيقاع "خفيف الرمل" وهو يشبه 

الوزن الغربي 8/10 وكذلك "خفيف الثقيل" ووزنه 8/6 وقد ظهرت في ذلك العهد أهمية اللحن والإيقاع والزخارف

اللحنية في موسيقانا العربية وظلت هذه الخواص حتى الآن أهم ما يميز الموسيقى الشرقية بصورة عامة والعربية

بصفة خاصة.

وبرز من المغنين بعد ابن مسجع معبد والفريض وابن سريج وابن محرز، وكلهم سار على النهج الموسيقي الذي 

ابتكره أستاذهم ابن مسجع. وعلاوة  على ما ذكر من مآثر الحكم الأموي في الموسيقى العربية، فان نظرية الاحتقار

التي كان ينظر بها الخلفاء والأشراف والنبلاء إلى الموسيقى  والمشتغلين بها، خفت حدتها بل انتهت إلى الأبد

وانقلبت إلى نوع من الدعم والتشجيع لهذا الفن التعبيري الجميل ولكل من عمل في حقله. وفي ظل الحكم الأموي

تأثرت الموسيقى العربية بنظريات الموسيقى اليونانية  واستشفت  بعض قسمات الموسيقى والغناء الفارسي. إلا أن

ذلك لم يمنع من تغلب الطابع العربي.

وفي العصر الأموي وضع يونس الكاتب كتاب "النغم" وكتاب "القيان" فمهد بذلك لانطلاق حركة فكرية موسيقية في

العهود التي تلت.

لم يطرأ في هذا العصر سوى تغييرات قليلة على الآلات الموسيقية وبقي العود سيد الآلات. وقد استعمله في العزف

المنفرد أكبر  الموسيقيين العرب في ذلك العصر.  ويبدو أن العراقيين الذين كانوا يحبون الطنبور كانوا يستعملون

العود ويضربون عليه ونقرأ عن العود ذي الوترين في العقد الفريد في عهد بشر بن مروان المتوفى عام 694 م

وكان وتراه يسميان الزير والبم. وكان الطنبور في ذلك الوقت شائع الاستعمال في الحجاز وسوريا. وكان هؤلاء

الذين لا يزالون يميلون لأغاني الجاهلية الوثنية القديمة غارقين في نغمات الطنبور الميزاني بسلمه الغريب. وكان 

للجنك أو الصنج عشاقه أيضاً.

في ذلك العصر أخذ الفنانون يكثرون من استعمال الآلات الهوائية الخشبية، إذ نقرا مرارا عن المزمار الذي يعزف

لحن الأغنية يرافقه العود، وكذلك اصطحبوا الطبل والدف لتمييز الإيقاع، فظهرت بوادر الفرقة الموسيقية.

وهكذا استمرت الموسيقى العربية تسير في طريق الانتعاش والازدهار حتى بلغت ذروة مجدها خلال حكم

العباسيين.